ليالي الإصلاح بمكتبة الإسكندرية

إبراهيم البيومى غانم
في الليلة الأولي (1 مارس الجاري) لمؤتمر الإصلاح العربي السادس بمكتبة الإسكندرية كاد المشاركون في المؤتمر يروحون ضحية وجبة العشاء التي تناولوها في واحد من أفخر فنادق الثغر، إذ يبدو أنها كانت نصف فاسدة، أو بالأقل "كانت بايتة"، فأصيب أغلبهم بتلبك معوي بدرجات متفاوتة، وفي الصباح كان حديث الاضطرابات المعوية هو سيد التعليقات والثرثرات التي لم تنقطع طوال أيام المؤتمر، ولا أحد يعرف ما الذي كان سيحدث لو أن العشاء كان كامل الفساد.
فاق عدد ضيوف المكتبة في هذا المؤتمر الـ 600 شخص- حسب ما أعلنه مدير المكتبة في إحدي كلماته الافتتاحية- جاءوا من عدد كبير من البلدان العربية ومن مصر طبعاً، شيباً وشباناً، رجالاً ونساءً، بعضهم أصحاب رؤي واختيارات فكرية وسياسية (إسلامية، ويسارية، وليبرالية، وقومية). ومنهم موالون للحكومات علي طول الخط، ومنهم معارضون لها علي طول الخط، وآخرون منهم لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء، وإنما هم في حكم "عابري السبيل". ووسط هذا الحشد كان لأعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي حضور بارز، بعضهم التزم الصمت وآثر السكوت، وبعضهم تحدث حتي قال الحاضرون ليته سكت كزملائه ولم يتكلم.
في الليلة الأولي للمؤتمر أيضاً، وبعد محاضرة بارعة لمدير المكتبة- الحق يقال إنها كانت وحدها التي حملت جديداً من الأفكار في كل ما قيل في المؤتمر- أثار الانتباه بقوة ما قاله في الجلسة الافتتاحية الدكتور صبري الشبراوي- وهو شخصية مرموقة في الاقتصاد والإدارة، فضلاً عن عضويته في لجنة السياسات بالحزب الوطني- فقد أدان منهج الحكومة في إدارة البلاد. وكثّف انتقاده في عبارة موجزة وبليغة للغاية وهي أن "الإدارة الحالية هي إدارة للفقر وتوزيعه"، وتساءل: لماذا يتحدثون دوما عن الفقر فقط، ولا يتحدثون عن مصادر الغني والثراء والموارد الطبيعية والبشرية التي تتمتع بها مصر؟. وقال في حسرة: ليس لمصر أي ترتيب في عالم التقدم الصناعي!، وقال: هل يعقل أن تكون مبيعات محلات كارفور السنوية في مصر 78 ملياراً ينفقها 700.000 مستهلك، وأن يكون إجمالي الدخل القومي لمصر كلها أكثر قليلاً من هذا الرقم؟. وكرّر القول: مصر غنية جداً، فلماذا يتحدثون فقط عن الفقر.. وليه ليه؟". وقد سألته في تعليق علي ما قيل في الجلسة- دون انتظار إجابة منه- وليه ما بيسمعوش كلامك يادكتور شبراوي؟!.
في الليلة الثانية أثار الانتباه أيضاً في جلسة عن التفاعلات العربية العربية، ما ورد علي لسان السيد عدنان عمران- الذي شغل سابقاً ولسنوات عديدة منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية- وهو قوله" عملت طويلاً في العمل العربي المشترك، ولكني أكثر الناس جهلاً بهذا الموضوع"!!. وكان واضحاً أن الرجل لا يتحدث حديث التواضع، وإنما حديث الحيرة والغموض ولم يحاول مجرد محاولة، ولم يلمّح ولو بالقليل إلي سر فشل العمل المشترك. وظل كلامه في عموم العموميات، ويبدو أن "العموميات" هي الدرس الأكبر الذي يعيه كبار المسئولين العرب إذا أرادوا أن يظلوا تحت الأضواء- ولو كانت خافتة- بعد خروجهم من مناصبهم.
في ليلتي المؤتمر (أول وثاني مارس) شوهد عدد من أبرز الأساتذة والمفكرين المصريين والعرب وهم يغطون في نوم عميق أثناء الجلسات. من هؤلاء: أستاذ فلسفة شهير بأقدم جامعة عربية (كان ينتبه بين الحين والآخر علي سماع التصفيق للمحاضر، ثم يستأنف النوم)، وأستاذ قانون لا يقل شهرة بجامعة الزقازيق، وأستاذ آخر بطب قصر العيني وعضو في لجنة السياسات (كان دمه زي العسل، إذ كان يجلس بجواري، وواصل النوم دون انقطاع إلي نهاية الجلسة، ولما انتبه في نهايتها سألني: إحنا فين؟ قلت له: مازلنا في المكتبة. فشكرني، وقال لي: يبقي أنت ما نمتش). ونام أيضاً رجل دين كاثوليكي معروف، إضافة إلي عدد آخر من الحضور. وانتهت ليالي الإصلاح!.
صحيح أن شيوع ظاهرة النوم ليست حكراً علي مؤتمرات الإصلاح بمكتبة الإسكندرية، بل هي في أغلب المؤتمرات، وآخرها المؤتمر الحادي والعشرون للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية حيث نشرت بعض الصحف المصرية الصادرة (6 مارس الجاري) صورة تجمع شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية وهما يغطان في نوم عميق أثناء الكلمة التي ألقاها وزير الأوقاف محمود زقزوق في الجلسة الافتتاحية. فهل يعني هذا أن النوم مشروع في المؤتمرات؟ أم أنه لابد من شرطة متخصصة في مطاردة النوم من أعين المشاركين فيها؟، أم أن المطلوب هو إصلاح منهجية المؤتمرات ذاتها؟