البحث عن الدكتورة «ن»..


د.هبة رءوف عزت

heba.raouf@gmail.com

من أين تنبت العدالة في مصر إذا لم نرويها في البيوت؟ وكيف نتطلع للتغيير الحقيقي ونحن أول أعدائه، وكيف نطالب بتطبيق الشرع والدين ونحن أول مخالفيه، وكيف نشكو من تراجع الأخلاق ونحن نتواطأ علي هدر كل قيمة نبيلة بصمت غريب وتخاذل عجيب غير مبرر ولا مفهوم.. ونخشي الناس ولا نخشي الله.. وكيف وكيف وكيف؟
ما زالت ضحكتها في أذني، هذا الصوت القوي وتلك الشخصية المرحة وهذا العقل الراجح.
تعارفنا منذ قرابة عام، وتقاربنا رغم أنها تقيم في الصعيد وأنا من أهل القاهرة. اتصلت بي لتكتب في تقرير دوري جزءاً عن الحالة الصحية..وبدأ التعاون.

هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته
مع الأيام تطورت الصداقة وعلمت أنها تتعرض للضرب والإهانة من زوجها منذ سنوات، وآلمني أنه من أصحاب الخطاب الديني الذين يتحركون في المجال العام بشكل منظم. الإهانات المتكررة تتعرض لها أمام أبناء تتراوح أعمارهم بين طلبة الجامعة وطلبة الابتدائي..بل ويتم التعدي عليها بالقول في مكان العمل أحياناً أمام الزملاء، رغم أنها تحترم زوجها بل تأخرت عمداً في الحصول علي الدكتوراه كي لا تتخطاه..لأنهما في التخصص نفسه.

حدثتني عن الأحلام البريئة حين قبلته زوجاً، عن مشاعر الحب التي ملأت قلبها نحوه، والآمال الكبري عن إصلاح المجتمع وتأسيس أسرة تنهض بالأمة، وكيف ذهبت هذه كلها مع الريح. ما أسهل أن نتحدث عن نهضة الأمة دون أن نغير طباعنا، وأن نرفع شعارات الحل لإقامة دولة لكن إقامة العدل والإحسان في داخل بيوتنا أصعب، حدثتني عن التفاصيل البسيطة..وما الحياة الزوجية إلا مجموعة من التفاصيل البسيطة.

شكت لي كثيراً وأنا أنصت حزينة علي حال مجتمع يشكو ظلم حكامه ونخبته وهو أكثر ظلماً لنفسه وسكوتاً عن الحقوق، تشكو في مرارة وأنا أنصحها بالمصارحة والكلام، فالكلام لا بديل له سوي صمت قاتل.. أو عنف بالغ، ثم كان نصحي مع تطور الأحداث بتدخل الأهل للإصلاح.

لكن العمر يمضي، والكيل يفيض، والزوج لا يقيم وزناً لمكانتها الإنسانية والزوجية والعلمية بل والاجتماعية، فهي ليست ابنة بيئة اعتاد أهلها علي تلك الخشونة فوالدها طبيب وكذلك والدتها، ومكانتهما الاجتماعية معلومة، والأولاد تكبر، وآثار الضرب علي وجهها تظهر فتبررها كل مرة أمام الصديقات والزملاء في الجامعة بأنها اصطدمت بالباب(!).

الدكتورة «ن» اعترضت وطلبت الانفصال ..لكنه تمادي، التمست النصرة من الأهل فنصحوها بالاستمرار حتي لا تهدم البيت،..ونظرت لأبنائها فوجدت كل واحد منهم مشغول بصورته أمام دائرة أصدقئه و«سمعته» لو صارت أمه «مطلقة» وطالبوها -كلهم- بالصبر، واستغاثت بمن يرفعون الشعارات الكبري من أصدقاء وزملاء زوجها الأكبر سناً والأعلي مقاماً منها فتحدثوا عن أولوية استقرار البيت، وهي تكرر بإصرار طلبها المشروع والشرعي: «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»..لكن التفاوض الودي لم يثمر إلا المزيد من الإهانة فالتمست المشورة القانونية وبدأت- وحدها- تتصل بالمحامين في مدينتها وفي القاهرة. تعثر التفاوض مع الزوج وأهله، وخذلها الأبناء، وتراجع أهلها، وهي تتألم، لكن لا تتخلف عن أداء مسئولياتها ولا عن القيام بعملها بل وتتابع وتتحرك وتنشط في حملات العمل الاجتماعي لخدمة الفقراء من المرضي وتوعية النساء.. رغم أعبائها وأزمتها.

كانت الدكتورة «ن» في آخر مكالمة معي قد شكت لي أن زوجها الآن يتحدث عنها أمام الناس باعتبارها «أصابها مس من الشيطان أو حالة نفسية»، وأشعرني هذا بالخطر المقبل، فما أسهل أن يتم تشويه سمعة امرأة حين يكون من يفعل ذلك هو الزوج.. رافعاً شعار حرصه -هو- علي الحفاظ علي البيت.

وفجأة..

اختفت الدكتورة «ن»!

لا ترد علي الهاتف، ولا تتصل.

ثم وصلت رسائل للمحيطين بها تطلب منهم عدم الاتصال بها «حتي لا يحل عليهم غضب الله والناس»، ثم أصبح الهاتف مغلقاً.

سأل من يعرفونها من المحيطين عنها فجاءت الإجابات متضاربة، قالت الأم هي في زيارة لخالتها في محافظة أخري، وقال الابن لبعض الناس إنها تعاني من أعراض أشبه بالتوحد فتم عزلها عن الناس -وهي التي لم تكف عن الكلام والتواصل والحركة منذ عرفتها-، وبادر الزوج بالاتصال بآخرين قائلاً بحزم: «زوجتي حالتها النفسية متوترة فلا تحاولوا الاتصال بها..وإلا!».

سأل بعض معارفها الذين بدأوا يشعرون بمسئوليتهم أمام الله خبراء من أهل القانون فقالوا لا يمكن تحريك أي بلاغ إلا «من ذي صفة»، وهي لا يوجد حولها من أهل الصفة من يريد أن ينصرها، وحيدة هي الدكتورة «ن» تطلب العدالة، فكان جزاؤها أن تتهم بأنها «ليست في حالة طبيعية»..أما كل هؤلاء فأصحاء..لأن هدفهم الأسمي أن يحافظوا علي الأسرة....بهذا الثمن..لا بإمساك بمعروف..ولا بتسريح بإحسان..بل بهذا الذي يجري..ويبدو أن الأمر صار أكبر من حالة الدكتورة«ن»، صار مبدأ..ومذهباً..و«سمعة جماعة».

بلغني الخبر من عشرات المكالمات والرسائل، الكل يسأل ويتعجب، بل بدأ البعض في الإعداد لحملة علي الإنترنت للبحث عن الدكتورة «ن»..تدعو أن يشارك أي أحد يعرف معلومة منها أو عنها بما يعرف.

أنا لا أعلم أين هي الآن الدكتورة «ن» ..وخشيت أن أسأل فأنا «غير ذي صفة»، و«أصحاب الصفات» الحقيقيون يديرون الآن حياة امرأة تجاوزت الأربعين عاقلة طبيبة ملتزمة ناشطة.. ويهددون من يحاول الاقتراب منها أو السؤال عنها، أما هي فغائبة..لا يدري أحد خارج أسرتها أين مكانها ولا يعرف كيف يصل إليها.

كل ما أملكه وفاء لصداقتنا هو أن أكتب قصتها..قصة تلك المرأة الرائعة التي كانت تملأ الدنيا بزخم مشاعرها وحركتها وتمنح أبناءها ومرضاها ومن حولها وكل من عرفوها الطاقة والقوة والقدوة والعون..وناصرت أهل الحاجة والكرب لكن أحداً لم يناصرها حين طالبت أن يكون لها في بيتها قليل من الكرامة..أو حياة أكثر عدالة.

لا أحد!

ادعوا معي للدكتورة «ن» أن تعود من.. «مخبئها»، ادعو الله لها أن يفرج كربها..الذي هو كرب مصر.

كلمة هادئة في المشكلة الشيعية

أيمن محمد الجندى
هذه سباحة ضد التيار ، تغريد خارج السرب ، حضن دافئ للابن الضال . الواجب الأخلاقي للأغلبية ، أي أغلبية ، تجاه الأقلية ، أي أقلية ، في الاستيعاب . أما النبذ والاحتقار ، والتخوين والتضليل ، والسباب والتكفير فحيلة الضعيف الذي لا يملك حجة دامغة ولا دليلا قاطعا . ونحن ، والحمد لله ، أهل السنة والجماعة ، البحر الهادر الذي يستوعب ألف موجة ، ولو كانت شاردة ، وألف قناة ، ولو كانت مليئة . لدينا المنطق والحجة ، والعلم والتاريخ ، والمنهج العقلي السديد .
منذ شهور ، كما تذكرون ، كتبت في جريدتكم الموقرة ، مقالا بعنوان : " أيها المسيحي ، إنني أحبك " ، وكان منطقي واضحا ، إن هناك من الأشياء ما لا تستطيع الحصول عليه إلا بالحب !! ، بالحب نكسب القلوب ونكسب الأتباع ، بالحب تلين الخصومة وتهدي الضال ، بالحكمة والموعظة الحسنة . هذا دين مبدؤه الحب ، ومنتهاه الحب ، ولنا في رسول الإسلام أسوة حسنة ، كان صلى الله عليه وسلم كان في حالة حب دائمة ، لأنه - ببساطة - لا يوجد تفسير لحزنه الثقيل وصبره الطويل إلا الحب . منذ أن نزل على قلبه الوحي ، يطالبه بدعوة الناس إلى رب الناس ، هذه الدعوة التي لا يقدر على أعبائها إلا من امتلأ قلبه بالحب ..
والعقل يقول ، والمنطق البسيط ، أن دعوة الحب ، والرفق واللين ، التي اتسعت لأهل الكتاب ، الذين لا يؤمنون أصلا برسول الإسلام ، يجب أن تتسع – بدون أي شك – لأخوان لنا في الدين ضلوا ، فازوا بحب الرسول وآل البيت ، وخسروا بكراهية الصحابة رضوان الله عليهم . بالحب نستوعبهم لا بالسباب . إنني لأرتجف هولا ، إذا تصورت أن أحد الشيعة يقرأ التعليقات المفعمة بالكراهية ، التي تصورهم أنجس من الخنازير والكلاب . هذا كلام لا يليق ، ولا هو من هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا هي اللغة التي استخدمها مع المشركين . إن الحلم والرفق والأناة ما دخلوا في شيء إلا زانوه ..وإنني إذ أخاطب الشيعة استخدم لغة راقية ، فأؤكد إسلامهم كما أكدها العلماء الثقات ، مثل الشيخ شلتوت وأبي زهرة والقرضاوي ، وأثني على حبهم لآل البيت ، ثم أقول برفق وحب :
- أخواني من أهل الشيعة ، أشهد الله أني أحبكم ورفيق بكم وحزين من أجلكم . إنني أعرف أنكم تعرضتم لأكبر عملية استنزاف عاطفي في التاريخ ، وباسم الثأر لآل البيت تم استدراجكم لكراهية أخوانكم من أهل السنة ، نحن نشارككم الحب لآل البيت ، فهم السمع والبصر ، والعقل والفؤاد ، لا تظنوا أبدا يا معشر الشيعة أننا ، أهل السنة ، أقل منكم حبا لهم ، فكيف لا نحب من لا تصح صلاتنا بدون الصلاة والسلام عليهم ، ونحن نعتقد أن الإمام علي من خير الناس وأكرم الناس وأحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن في حبه ذائبون ، وبمعرفة فضله مشتركون . ولا ينقص من حبنا للإمام علي أننا نحب أيضا أبا بكر وعمر وعثمان ، رضوان الله عليهم أجمعين ، أو لا نعتقد في نظرية الإمامة التي تؤمنون بها ، لأنها إذا كانت ركنا في الدين ، كما تعتقدون ، فلماذا لم تذكر ، ولو إجمالا ، في القرآن الكريم ؟ ، وهل تتصورون – أيها العقلاء - أن فتى الفتيان وفارس الفرسان ، سيدنا علي رضي الله عنه ، الذي حسم المعارك بشجاعته الخارقة ، كان يسكت لو أوصى له الرسول بالخلافة ؟ ، إن حسن ظننا في حبيبنا الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه ، هو الذي يجعلنا نرفض ما تتهمونه أنتم به من غير قصد ، أن يصمت على وصية الرسول وركن الدين ؟ ، لقد تم التغرير بكم بفعل روايات مغرضة دسوها عليكم ، كما دس الفاسقون روايات على رسول الله .
أيقولون أن عمر بن الخطاب كسر ضلع فاطمة وتسبب في موتها ؟ ، أمن المعقول أن يسكت الإمام علي عن قاتل بنت الرسول ؟ ، حاشا وكلا ، فإن الواحد منا يدافع عن زوجته ولو دفع حياته ، فكيف بإمام المتقين ؟ ، أيسكت على ذلة ، وهو العزيز . هذه رواية واضحة التلفيق .
ومثلها ما تزعمون أن مجمل الصحابة نكصوا عن عهد الرسول بعد موته ؟ ، أيعقل أن رسول البشرية فشل في تربية أصحابه ؟ ، ألا يتناقض هذا مع ثناء القرآن المتكرر عليهم ؟ . أنتم ضحايا سوء فهم ، وروايات مغرضة دسها الحاقدون على الإسلام .
وفي كل الأحوال ، أيا كان رأيكم ، فإن كتمانه أولى ، لأن أهل السنة ، وهم الأغلبية ، لن يقبلوا أبدا المساس بالصحابة ، خصوصا كبارهم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، تلك فتنة ، والفتنة أشد من القتل . ونحن لنا عدو مشترك ، يبتغي إضعافنا ، والاستيلاء على ثرواتنا . والعقل يقول أن نتجاوز الخلافات التاريخية ، التي لا تقدم ولا تؤخر ، ونتفرغ لواقعنا المرير ، واقعنا الذليل ، واقعنا الذي لا يرضي الله ورسوله ".
................
هذا هو الخطاب الوحيد الممكن للشيعة ، خطاب الحب الذي يبتغي الهداية ، لا البغض الذي يبتغي التفريق . عار علينا أن نستأسد على حزب الله ونسكت على جرائم إسرائيل . أو يرفرف في هواء المحروسة علم إسرائيل في الوقت الذي نقطع فيه العلاقات مع إيران. لقد نهانا القرآن عن الكيل بمكيالين ، وتوعد المطففين ، وأمرنا ألا ننسى الفضل بيننا . وفضل حسن نصر الله في المقاومة مشهود ، الرجل الذي وهب ابنه فداء للوطن والإسلام لا يمكن أن يكون عميلا لأحد ..نعم أخطأ الرجل ، لكنه خطأ الصديق !! . اللهم اهدي حسن نصر الله وأصلح الفاسد من عقيدته . اللهم تقبل جهاده وتعبه في سبيلك ، وأهده يا رب العالمين إلى محبة أصحاب نبيك وتوقيرهم . هذا ما ينبغي أن نفعله مع أعدائنا ، الدعاء ، وحسن نصر الله لم يكن أبدا عدوا ، ولن يكون إن شاء الله .
.....................
وفي نهاية المقال ، أود أن أعلن تأييدي المطلق والكامل لشيخنا الجليل القرضاوي ، في تحذيره من نشر التشيع ، في بلاد سنية خالصة ، لأن هذا يبذر الفتنة ويفرق بين المسلمين . كما أعلن تأييدي الكامل له في اعتباره الشيعة الجعفرية مسلمين مبتدعين ، فما نطق به هو عين الحقيقة ، نعم هو مسلمون ، وحتى اعتقادهم في الإمامة لا يخرجهم من الإسلام رغم خطئه ، وحتى سبابهم للصحابة ، عافانا الله وعافاهم ، لا يخرجهم من الإسلام وإن وصمهم بالفسوق . لكني في الوقت نفسه أرجوكم وأضرع إليكم ألا تعتبروا كل مخالف في الرأي مخدوعا أو مرتشيا أو عميلا ، تلك لغة ينبغي أن نعرض عنها فهي لم تجلب لنا غير الوبال ، وبرغم تأييدي الكامل للعلامة القرضاوي ، واعتقادي التام أن الصواب كان معه في هذه القضية ( وفي غيرها من القضايا حفظه الله وأطال عمره ) ، فإن حبي واحترامي وتقديري للأستاذ الجليل فهمي هويدي لم ينقص خردلة ، كان الرجل كما عهدناه شريفا وطنيا رائعا . وهب أنه ، أو السيد سليم العوا ، اختلفوا مع شيخهم ، فهو اختلاف الأصدقاء لا اختلاف الأعداء .
وقد تقدمت شخصيا بطلب فتوى من دار الإفتاء المصرية برقم 590956 على النحو التالي : " يحزننا ويدمي قلوبنا ما يقوم به الشيعة الجعفرية الأثنا عشرية من سب الصحابة رضوان الله عليهم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . ولا يراودني شك أنها جريمة شنعاء وذنب عظيم . سؤالي هو : هل سب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة كفر بواح يخرج من الملة ويترتب عليه أحكام غير المسلمين أم أنه ذنب عظيم بدون كفر" انتهى .
وكان رد دار الإفتاء المصرية كالتالي : الـجـــواب . 1- لا خلاف بين الفقهاء في أنّ سبّ عائشة رضي الله تعالى عنها ممّا برّأها اللّه تعالى منه كفر ، لأنّ السّابّ بذلك كذّب اللّه تعالى في أنّها محصنة. أمّا إن كان السّبّ بغير القذف لعائشة أو غيرها من أمّهات المؤمنين فقد صرّح الزّرقانيّ من المالكيّة بأنّ السّابّ يؤدّب. 2- لا خلاف بين العلماء في أنّه يحرم سبّ الصّحابة رضوان الله عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تسبّوا أصحابي فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه » . فذهب جمهور العلماء إلى أنّه فاسق. انتهى . عافانا الله من الكفر والفسوق .
...............
وأخيرا ، وقد قلت حيلتي وضعفت مقدرتي ، لا يتبق لي غير الدعاء . اللهم اجمع كلمة المسلمين سنة وشيعة على حب رسولك وآل بيتك وصحابتك الأجلاء ، اللهم اجعلنا كما وصفتنا في كتابك العزيز " أشداء على الكفار ، رحماء بينهم " ، اللهم اهدي أخواننا من أهل الشيعة إلى الأدب مع صحابة رسولك وأمهات المؤمنين ، واجعلنا يا مولانا صفا واحدا أمام أعدائنا المشتركين ، واغفر لنا ولهم ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك غفور رحيم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
Elguindy62@hotmail.com

أسرار حرب «الرصاص المصهور»

أحمد منصور:
الكل حرب أهدافها المعلنة وأهدافها الخفية، وقد أعلنت إسرائيل عن أهدافها من وراء حرب الإبادة الهمجية التي خاضتها في الفترة من السابع والعشرين من ديسمبر من العام الماضي 2008 وحتي السابع عشر من يناير 2009 ضد قطاع غزة، والتي أهلكت فيها الحرث والنسل والجماد والحيوان وكل أشكال الحياة واستخدمت فيها معظم أنواع الأسلحة مع أسلحة جديدة محرمة دوليا لم يكشف عن نوعياتها بعد
ثم أعلنت بعد كل جرائمها أنها قد حققت أهدافها من وراء حملتها، لكنها لم تتعرض علي الإطلاق إلي أن هدفا أساسيا من أهداف هذه الحرب يتعلق بالسيطرة علي الغاز المكتشف علي شواطئ غزة والذي يغطي كما تقول التقارير الخاصة بشركة « بريتش غاز» مكتشفة حقول الغاز في شواطئ غزة حوالي 30% من احتياجات إسرائيل، فإذا كان أحد الأهداف الأساسية للحرب الأمريكية علي العراق هو السيطرة علي منابع النفط وسرقتها كما يحدث الآن فإني أؤكد من خلال هذه الدارسة ـ التي استغرق إعدادها عدة أسابيع ـ أن أبرز أهداف الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة هو السيطرة علي منابع وآبار الغاز التي تتواجد في سواحل غزة والتي لا يعلم عنها كثير من الناس حتي من أهل غزة إلا معلومات قليلة.

تعود جذور القصة إلي شهر نوفمبر من العام 1999 حينما زار ياسر عرفات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الأسبق لندن، وكشفت بعض المصادر البريطانية وقتها أن دراسات لدي مجموعة «بريتش غاز» البريطانية أكدت وجود كميات كبيرة من الغاز قبالة سواحل غزة، وتدخل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني آنذاك لدي عرفات وطلب منه التوقيع مع شركة «بريتش غاز» علي حق التنقيب واستغلال تلك الآبار مقابل خمسين مليون دولار تمنح سنويا لصالح السلطة الفلسطينية توضع في حساب خاص يخضع لمراقبة دولية ـ وقد أخبرتني مصادر خاصة أن هذا الحساب موجود في أحد البنوك في الأردن ـ ولم يتأخر ياسر عرفات المعروف بمجاملاته عن التوقيع الذي تم في 29 نوفمبر من العام 1999 في لندن حيث منح عرفات بصفته رئيسا للسلطة الفلسطينية التي تتبعها سواحل غزة شركة «بريتش غاز» حق التنقيب عن الغاز في سواحل غزة لمدة 25 عاما، لكن لم يمر عام واحد علي هذا التوقيع حتي نجحت بريتش غاز في اكتشاف أول بئرين للغاز قبالة سواحل غزة أطلقت عليهما غزة بحري 1 وغزة بحري 2، وقد أكدت لي مصادر«بريتش غاز» هذه المعلومات خلال اتصالات بيني وبين مقر الشركة الرئيسي في لندن استمرت ما يقرب من شهر بعدما رفض مكتب الشركة في إسرائيل تزويدي بأية معلومات عن الموضوع، وأكد المكتب الرئيسي لبريتش غاز في الرد الذي وصلني علي أن البئر الأولي تم اكتشاف الغاز بها في العام الأول، بينما « البئر الثاني أكد علي اكتشاف غاز جديد ومهم وقد زودوني بصورة لمنصة الحفر للبئر الأول غزة بحري 1 كما زودوني بخريطة توضح موقع البئرين من شواطئ غزة ومن عسقلان.

وكان توني بلير ـ رئيس الوزراء البريطاني ـ قد سعي لدي رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لإلزامه حصول إسرائيل علي هذه الصفقة التي كانت ستدر عدة مليارات من الدولارات علي شركة «بريتش غاز» وعلي الإسرائيليين كمستفيد أول ووحيد من وراء هذا الغاز مقابل الفتات الذي كان سيحصل عليه عرفات والسلطة كل عام تحت رقابة دولية، إلا أن قيام الانتفاضة في العام 2000 واضطراب الأمور في غزة أجل تنفيذ الصفقة، كما أن سعي شارون للحصول علي الغاز من الحكومة المصرية بسعر أقل من سعر بريتش غاز جعله يضغط من أجل الحصول علي الغاز المصري بسعر أقل وامتيازات أفضل، علي ألا يساعد في وصول أية مبالغ للسلطة الفلسطينية، وبالفعل نشرت صحيفة «الأندبندنت» البريطانية تقريرا عن تلك الصفقة في 19 أغسطس من العام 2003 قالت فيه: «إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون قد أعلن عن معارضته لصفقة غاز غزة متعللا باضطراب الأوضاع في قطاع غزة، وأن عائدات الأموال يمكن أن تستخدم في شراء سلاح يمكن أن يستخدم بعد ذلك ضد الإسرائيليين»، وهو يرفض إدخال أموال إلي خزانة السلطة الفلسطينية دون أن يعرف فيما سيتم استخدامها، لكن السبب الأبرز ـ كما أوضح شارون ـ هو أن الحكومة المصرية قد وعدته ببيع الغاز لإسرائيل مقابل أسعار رمزية وكانت المفاوضات جارية آنذاك للتوقيع مع الحكومة المصرية، ورغم أن جون فيلد ـ المدير العام لمجموعة بريتش غاز في إسرائيل ـ قال في تصريحات نشرتها الأندبندنت البريطانية في 19 أغسطس 2003 أن شركة «بريتش غاز» تأمل أن يعيد شارون التفكير في خياراته فإن شارون مضي في مفاوضاته مع الحكومة المصرية.

وبالفعل بعد مفاوضات مطولة تم التوقيع في القاهرة في 30 يونيو من العام 2005 علي صفقة طويلة الأجل بين الحكومة المصرية وإسرائيل مدتها خمسة عشر عاما قابلة للتجديد خمس سنوات إضافية، وقد وقع عن الجانب المصري وزير النفط سامح فهمي، وعن الجانب الإسرائيلي وزير البنية التحتية بنيامين بن أليازر الذي كان قد التقي الرئيس المصري حسني مبارك قبل التوقيع، ونصت الصفقة علي أن تبيع مصر لإسرائيل من الغاز 7.1 مليار متر مكعب سنويا اعتبارا من أكتوبر من العام 2006 بإجمالي مقداره 25 مليار متر مكعب من الغاز ـ وذلك حسب المصادر الإسرائيلية ـ، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون آنذاك أنه فضل «شراء الغاز من مصر علي شرائه من شركة بريطانية ـ فلسطينية مشتركة خشية استفادة المسلحين الفلسطينيين من عائداته».

وكانت إسرائيل قد اضطرت للتوقيع علي الصفقة مع مصر التي بدأ التفاوض عليها قبل عشر سنوات من توقيعها بعد فشل جهود شركة «إسرامكو» الإسرائيلية في تطوير آبار للغاز اكتشفتها بالاشتراك مع شركة «بريتش غاز» قبالة سواحل عسقلان، حيث طلبت هذه الشركات من الحكومة الإسرائيلية في 29 يناير من العام 2000 وفق تقرير بثته وكالة الأنباء الفرنسية بالتمهل في توقيع العقد مع المصريين حتي يتم التثبت من جدوي تطوير الحقول قبالة سواحل عسقلان، لكن إسرائيل حصلت علي أكثر مما تريده من الحكومة المصرية بعد ذلك حيث حصلت إسرائيل علي الغاز المصري بأسعار أرخص من استخراجه من قبالة سواحل عسقلان، وهذا ما دفع مجموعة من الناشطين المصريين علي رأسهم السفير السابق إبراهيم يسري إلي رفع دعوي قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في القاهرة التي أصدرت حكمها في 18 نوفمبر من العام 2008 بوقف تصدير الغاز المصري إلي إسرائيل، وبطلان الاتفاقية لأنها لم تعرض علي مجلس الشعب المصري وقالت المحكمة إن قرارا كهذا يجب التصويت عليه في البرلمان «لأن الموارد الطبيعية الوطنية هي ملك للشعب المصري والأجيال اللاحقة ولذلك علي السلطة التنفيذية أن تحظي بموافقة السلطة التشريعية قبل اتخاذ قرار كهذا».

ورغم صدور حكم في الأول من إبريل من العام 2009 من محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري فإن ذلك لم ينه المعركة القضائية حول الموضوع، ومن ثم حرصت إسرائيل علي إحياء مشروع الحصول علي الغاز من آبار سواحل غزة مرة أخري خوفا من أي عوامل يمكن أن تؤدي إلي منع تدفق الغاز المصري إلي إسرائيل، ولأن غزة تقع منذ العام 2006 تحت سلطة حكومة حركة حماس فإنه يجب التخطيط ـ وفق المنظور الإسرائيلي ـ لكيفية الاستيلاء علي آبار الغاز دون الحاجة للتفاوض مع حكومة حماس أو الرجوع إليها بل يجب القضاء عليها وإزالة وجودها من غزة ومن ثم يتم تحقيق أهداف كثيرة فيما يختفي هدف الحرب من أجل الغاز وراء مجموعة من الأهداف المعلنة التي تشترك فيها بعض دول المنطقة المتحالفة مع إسرائيل.

أما فيما يتعلق بغاز غزة وجدواه فقد أعلنت شركة «بريتش غاز» بعد اكتشافها الغاز في سواحل غزة في العام 2000 في تقرير نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية في 23 مايو من العام 2007 أنها تقدر احتياطيات الحقل المكتشف في العام 2000 بأنها تزيد علي تريليون قدم مكعب من الغاز أي ما يساوي 150 مليون برميل من النفط، وفي تقرير الأندبندنت الذي نشر في 19 أغسطس من العام 2003 أعلنت بريتش غاز أنها يمكن أن تضخ من حقل غزة إلي إسرائيل بين 5،1 إلي 2 مليار متر مكعب من الغاز سنويا وهو ما يعادل ثلث الاحتياجات الإسرائيلية من الغاز.

وبعد شعور إسرائيل أن هناك عقبات داخلية تواجهها الحكومة المصرية قد تضطرها إلي التوقف عن تصدير الغاز لإسرائيل أحيت مشروع غاز غزة مرة أخري ونشرت صحيفة «التايمز البريطانية» في تقريرها المشار إليه في 23 مايو من العام 2008 أن مجموعة «بريتش غاز» علي وشك الاتفاق علي شروط صفقة تاريخية تقدر بأربعة مليارات دولار لتوصيل الغاز الفلسطيني إلي إسرائيل من الحقول المكتشفة علي سواحل غزة، وأن اجتماعا قرر في نهاية مايو من العام 2008 بين ممثلي الشركة البريطانية وممثلين للحكومة الإسرائيلية لدراسة عقد مدته خمسة عشر عاما وأكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تود إبرام الصفقة في «أقرب وقت ممكن» حيث اعترفت الحكومة الإسرائيلية أنها بحاجة إلي مصادر جديدة من الطاقة لمواجهة احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي المتزايدة.

وقد أكدت لي بريتش غاز ردا علي أسئلة أرسلتها إليهم علي طلب الحكومة الإسرائيلية تقديم مقترحات لتزويد شركة الكهرباء الإسرائيلية بالغاز وهي الشركة الوطنية لتوفير الكهرباء التي تمتلكها الدولة، وقامت مجموعة بريتش غاز بالفعل بتقديم اقتراح للحكومة الإسرائيلية لتوفير الغاز من حقل غزة البحري، وأكدت بريتش غاز في جوابها علي أسئلتي أنها استأنفت بالفعل المباحثات مع الحكومة الإسرائيلية بعد أن أعلنت عن نيتها علي شراء الغاز من حقل غزة البحري وذلك من أجل سد العجز المتوقع في إمدادات الغاز بعد العام 2011.

هذا العقد وهذه الصفقة المليئة بالشبهات القانونية والجنائية هي التي جعلت إسرائيل تعجل بحربها علي قطاع غزة لأسباب كثيرة معلنة وسبب رئيسي غير معلن هو إنهاء وجود حماس في غزة وإعادة السلطة أو أي طرف يمثل الشعب الفلسطيني يساعدها في السيطرة علي غاز غزة بثمن بخس وعبر اتفاق يتم إضفاء الشرعية عليه دون أن تبدو العملية كما هي قائمة الآن عملية سطو علي مقدرات الشعب الفلسطيني وثرواته حيث سعي شارون بالفعل لإلغاء العقد الموقع بين عرفات وبريتش غاز عام 1999 وصرح في العام 2001 بأن احتياطات غزة البحرية من الغاز تمتلكها إسرائيل.

ومن هنا بدأت إسرائيل مخططها لشن حرب الغاز علي غزة في العملية التي عرفت باسم «الرصاص المنصهر» في شهر يونيو من العام الماضي 2008 وذلك وفقا لمصادر صحيفة «هاآرتس الإسرائيلية» في عددها الصادر في 27 ديسمبر الماضي 2008، وهذا يعني أن قرار شن الحرب جاء بعد أيام من عودة التفاوض بين بريتش غاز والحكومة الإسرائيلية الذي أشارت له صحيفة «التايمز» وأكدته لي بريتش غاز كذلك بشكل غير مباشر في ردها علي أسئلتي، وهذا يفسر أيضا سر أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني كانت أحد الصقور التي تقود الحرب لأن وزارتها هي التي أعلنت أنها يجب أن تبرم الصفقة في أقرب وقت ممكن.

وقد أشار مايكل تشوسديفسكي في مقال نشره في 8 يناير 2009 علي موقع «جلوبال ريسرش» نقلا عن «جلوبس في 13 نوفمبر 2008» أنه في الوقت الذي انتهت فيه إسرائيل من وضع خطة حربها علي غزة المعروفة باسم «الرصاص المسكوب» كانت تتفاوض مع شركة «بريتش غاز» حيث بدأت مفاوضات جدية في شهر أكتوبر من العام 2008، وفي نوفمبر من العام 2008 أمرت وزارة المالية ووزارة البنية التحتية الإسرائيليتان شركة كهرباء إسرائيل بالدخول في مفاوضات مع شركة بريتش غاز لشراء غاز طبيعي من الحقل البحري لمجموعة بريتش غاز البريطانية، وبالفعل وافق مجلس إدارة شركة كهرباء إسرائيل بقيادة موتي فريدمان علي مبادئ الإطار المقترح منذ أسابيع أي بداية التفاوض في شهر مايو كما أشارت التايمز.

كل هذه المعطيات تؤكد علي أن الحرب علي غزة كانت بالدرجة الأولي من أجل الغاز مع تحقيق أهداف أخري كثيرة كانت هي المعلنة، ومع نهاية الحرب وإعلان إسرائيل عن انسحابها من أراضي غزة بشكل شبه كامل صبيحة تولي الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مقاليد الرئاسة في العشرين من يناير من العام 2009 وبعد اثنين وعشرين يوما من الحرب المدمرة، إلا أنها بقيت تحتل سواحلها ويبدو أنها لن تغادرها لأن بها الثروة التي يمكن أن توفر 30% من احتياجات إسرائيل من الغاز، وبالتالي نحن أمام عملية معقدة من الناحية القانونية والأخلاقية تشترك فيها بريتش غاز مع إسرائيل وربما أطراف أخري متواطئة لأنها تتعلق بثروات الشعب الفلسطيني ومقدراته، وبالتالي يجب أن يتحرك المدافعون عن حقوق الشعب الفلسطيني ورجال القانون الذين يمثلون الشعب الفلسطيني علي جميع المستويات السياسية والقانونية الدولية لإيقاف هذه الجريمة الكبري التي لا تقل عن الجرائم التي ارتكبت في غزة طوال ثلاثة وعشرين يوما من الحرب.