كلمة هادئة في المشكلة الشيعية

أيمن محمد الجندى
هذه سباحة ضد التيار ، تغريد خارج السرب ، حضن دافئ للابن الضال . الواجب الأخلاقي للأغلبية ، أي أغلبية ، تجاه الأقلية ، أي أقلية ، في الاستيعاب . أما النبذ والاحتقار ، والتخوين والتضليل ، والسباب والتكفير فحيلة الضعيف الذي لا يملك حجة دامغة ولا دليلا قاطعا . ونحن ، والحمد لله ، أهل السنة والجماعة ، البحر الهادر الذي يستوعب ألف موجة ، ولو كانت شاردة ، وألف قناة ، ولو كانت مليئة . لدينا المنطق والحجة ، والعلم والتاريخ ، والمنهج العقلي السديد .
منذ شهور ، كما تذكرون ، كتبت في جريدتكم الموقرة ، مقالا بعنوان : " أيها المسيحي ، إنني أحبك " ، وكان منطقي واضحا ، إن هناك من الأشياء ما لا تستطيع الحصول عليه إلا بالحب !! ، بالحب نكسب القلوب ونكسب الأتباع ، بالحب تلين الخصومة وتهدي الضال ، بالحكمة والموعظة الحسنة . هذا دين مبدؤه الحب ، ومنتهاه الحب ، ولنا في رسول الإسلام أسوة حسنة ، كان صلى الله عليه وسلم كان في حالة حب دائمة ، لأنه - ببساطة - لا يوجد تفسير لحزنه الثقيل وصبره الطويل إلا الحب . منذ أن نزل على قلبه الوحي ، يطالبه بدعوة الناس إلى رب الناس ، هذه الدعوة التي لا يقدر على أعبائها إلا من امتلأ قلبه بالحب ..
والعقل يقول ، والمنطق البسيط ، أن دعوة الحب ، والرفق واللين ، التي اتسعت لأهل الكتاب ، الذين لا يؤمنون أصلا برسول الإسلام ، يجب أن تتسع – بدون أي شك – لأخوان لنا في الدين ضلوا ، فازوا بحب الرسول وآل البيت ، وخسروا بكراهية الصحابة رضوان الله عليهم . بالحب نستوعبهم لا بالسباب . إنني لأرتجف هولا ، إذا تصورت أن أحد الشيعة يقرأ التعليقات المفعمة بالكراهية ، التي تصورهم أنجس من الخنازير والكلاب . هذا كلام لا يليق ، ولا هو من هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا هي اللغة التي استخدمها مع المشركين . إن الحلم والرفق والأناة ما دخلوا في شيء إلا زانوه ..وإنني إذ أخاطب الشيعة استخدم لغة راقية ، فأؤكد إسلامهم كما أكدها العلماء الثقات ، مثل الشيخ شلتوت وأبي زهرة والقرضاوي ، وأثني على حبهم لآل البيت ، ثم أقول برفق وحب :
- أخواني من أهل الشيعة ، أشهد الله أني أحبكم ورفيق بكم وحزين من أجلكم . إنني أعرف أنكم تعرضتم لأكبر عملية استنزاف عاطفي في التاريخ ، وباسم الثأر لآل البيت تم استدراجكم لكراهية أخوانكم من أهل السنة ، نحن نشارككم الحب لآل البيت ، فهم السمع والبصر ، والعقل والفؤاد ، لا تظنوا أبدا يا معشر الشيعة أننا ، أهل السنة ، أقل منكم حبا لهم ، فكيف لا نحب من لا تصح صلاتنا بدون الصلاة والسلام عليهم ، ونحن نعتقد أن الإمام علي من خير الناس وأكرم الناس وأحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن في حبه ذائبون ، وبمعرفة فضله مشتركون . ولا ينقص من حبنا للإمام علي أننا نحب أيضا أبا بكر وعمر وعثمان ، رضوان الله عليهم أجمعين ، أو لا نعتقد في نظرية الإمامة التي تؤمنون بها ، لأنها إذا كانت ركنا في الدين ، كما تعتقدون ، فلماذا لم تذكر ، ولو إجمالا ، في القرآن الكريم ؟ ، وهل تتصورون – أيها العقلاء - أن فتى الفتيان وفارس الفرسان ، سيدنا علي رضي الله عنه ، الذي حسم المعارك بشجاعته الخارقة ، كان يسكت لو أوصى له الرسول بالخلافة ؟ ، إن حسن ظننا في حبيبنا الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه ، هو الذي يجعلنا نرفض ما تتهمونه أنتم به من غير قصد ، أن يصمت على وصية الرسول وركن الدين ؟ ، لقد تم التغرير بكم بفعل روايات مغرضة دسوها عليكم ، كما دس الفاسقون روايات على رسول الله .
أيقولون أن عمر بن الخطاب كسر ضلع فاطمة وتسبب في موتها ؟ ، أمن المعقول أن يسكت الإمام علي عن قاتل بنت الرسول ؟ ، حاشا وكلا ، فإن الواحد منا يدافع عن زوجته ولو دفع حياته ، فكيف بإمام المتقين ؟ ، أيسكت على ذلة ، وهو العزيز . هذه رواية واضحة التلفيق .
ومثلها ما تزعمون أن مجمل الصحابة نكصوا عن عهد الرسول بعد موته ؟ ، أيعقل أن رسول البشرية فشل في تربية أصحابه ؟ ، ألا يتناقض هذا مع ثناء القرآن المتكرر عليهم ؟ . أنتم ضحايا سوء فهم ، وروايات مغرضة دسها الحاقدون على الإسلام .
وفي كل الأحوال ، أيا كان رأيكم ، فإن كتمانه أولى ، لأن أهل السنة ، وهم الأغلبية ، لن يقبلوا أبدا المساس بالصحابة ، خصوصا كبارهم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، تلك فتنة ، والفتنة أشد من القتل . ونحن لنا عدو مشترك ، يبتغي إضعافنا ، والاستيلاء على ثرواتنا . والعقل يقول أن نتجاوز الخلافات التاريخية ، التي لا تقدم ولا تؤخر ، ونتفرغ لواقعنا المرير ، واقعنا الذليل ، واقعنا الذي لا يرضي الله ورسوله ".
................
هذا هو الخطاب الوحيد الممكن للشيعة ، خطاب الحب الذي يبتغي الهداية ، لا البغض الذي يبتغي التفريق . عار علينا أن نستأسد على حزب الله ونسكت على جرائم إسرائيل . أو يرفرف في هواء المحروسة علم إسرائيل في الوقت الذي نقطع فيه العلاقات مع إيران. لقد نهانا القرآن عن الكيل بمكيالين ، وتوعد المطففين ، وأمرنا ألا ننسى الفضل بيننا . وفضل حسن نصر الله في المقاومة مشهود ، الرجل الذي وهب ابنه فداء للوطن والإسلام لا يمكن أن يكون عميلا لأحد ..نعم أخطأ الرجل ، لكنه خطأ الصديق !! . اللهم اهدي حسن نصر الله وأصلح الفاسد من عقيدته . اللهم تقبل جهاده وتعبه في سبيلك ، وأهده يا رب العالمين إلى محبة أصحاب نبيك وتوقيرهم . هذا ما ينبغي أن نفعله مع أعدائنا ، الدعاء ، وحسن نصر الله لم يكن أبدا عدوا ، ولن يكون إن شاء الله .
.....................
وفي نهاية المقال ، أود أن أعلن تأييدي المطلق والكامل لشيخنا الجليل القرضاوي ، في تحذيره من نشر التشيع ، في بلاد سنية خالصة ، لأن هذا يبذر الفتنة ويفرق بين المسلمين . كما أعلن تأييدي الكامل له في اعتباره الشيعة الجعفرية مسلمين مبتدعين ، فما نطق به هو عين الحقيقة ، نعم هو مسلمون ، وحتى اعتقادهم في الإمامة لا يخرجهم من الإسلام رغم خطئه ، وحتى سبابهم للصحابة ، عافانا الله وعافاهم ، لا يخرجهم من الإسلام وإن وصمهم بالفسوق . لكني في الوقت نفسه أرجوكم وأضرع إليكم ألا تعتبروا كل مخالف في الرأي مخدوعا أو مرتشيا أو عميلا ، تلك لغة ينبغي أن نعرض عنها فهي لم تجلب لنا غير الوبال ، وبرغم تأييدي الكامل للعلامة القرضاوي ، واعتقادي التام أن الصواب كان معه في هذه القضية ( وفي غيرها من القضايا حفظه الله وأطال عمره ) ، فإن حبي واحترامي وتقديري للأستاذ الجليل فهمي هويدي لم ينقص خردلة ، كان الرجل كما عهدناه شريفا وطنيا رائعا . وهب أنه ، أو السيد سليم العوا ، اختلفوا مع شيخهم ، فهو اختلاف الأصدقاء لا اختلاف الأعداء .
وقد تقدمت شخصيا بطلب فتوى من دار الإفتاء المصرية برقم 590956 على النحو التالي : " يحزننا ويدمي قلوبنا ما يقوم به الشيعة الجعفرية الأثنا عشرية من سب الصحابة رضوان الله عليهم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . ولا يراودني شك أنها جريمة شنعاء وذنب عظيم . سؤالي هو : هل سب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة كفر بواح يخرج من الملة ويترتب عليه أحكام غير المسلمين أم أنه ذنب عظيم بدون كفر" انتهى .
وكان رد دار الإفتاء المصرية كالتالي : الـجـــواب . 1- لا خلاف بين الفقهاء في أنّ سبّ عائشة رضي الله تعالى عنها ممّا برّأها اللّه تعالى منه كفر ، لأنّ السّابّ بذلك كذّب اللّه تعالى في أنّها محصنة. أمّا إن كان السّبّ بغير القذف لعائشة أو غيرها من أمّهات المؤمنين فقد صرّح الزّرقانيّ من المالكيّة بأنّ السّابّ يؤدّب. 2- لا خلاف بين العلماء في أنّه يحرم سبّ الصّحابة رضوان الله عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تسبّوا أصحابي فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه » . فذهب جمهور العلماء إلى أنّه فاسق. انتهى . عافانا الله من الكفر والفسوق .
...............
وأخيرا ، وقد قلت حيلتي وضعفت مقدرتي ، لا يتبق لي غير الدعاء . اللهم اجمع كلمة المسلمين سنة وشيعة على حب رسولك وآل بيتك وصحابتك الأجلاء ، اللهم اجعلنا كما وصفتنا في كتابك العزيز " أشداء على الكفار ، رحماء بينهم " ، اللهم اهدي أخواننا من أهل الشيعة إلى الأدب مع صحابة رسولك وأمهات المؤمنين ، واجعلنا يا مولانا صفا واحدا أمام أعدائنا المشتركين ، واغفر لنا ولهم ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك غفور رحيم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
Elguindy62@hotmail.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق