الفيل والتنين 2


من أول السطر
إبراهيم عيسي

حين نعرف كيف نجح الآخرون سنعرف لماذا فشلنا نحن؟
لقد دفع اليأس الهند إلي التغيير الاقتصادي بالسرعة التي حدث بها في الصين، لكن بعد أكثر من عقد وفي شكل مختلف تماما، في عام 1991 كانت الهند مفلسة تماما، ألقت المقادير خلال عامي 90و91 فقط بمائة وعشرين مليون هندي إلي حضيض الفقر، وأدي التضخم - الذي بلغ 17 في المائة إلي تآكل الدخول المنخفضة - وبحلول العام 1991، أصبح 330 مليون نسمة أو( اثنان من بين كل خمسة هنود) يعيشون تحت خط الفقر، وانهارت الموارد المالية للحكومة، وأضحت الهند أمام كارثة محققة.
كان البلد مفلساً، أوقفت المصارف الإقراض للهند، كما ألغت بطاقة الائتمان لعدم السداد، وهبط احتياطي الصرف الأجنبي إلي مستويات تكاد لا تفي إلا بتكلفة أسبوعين من واردات النفط. وطارت حمولة طائرة بأكملها من احتياطي الذهب الهندي إلي لندن تم دفعها رهانا مقابل ضمان قروض قصيرة الأجل من الغرب، خلال هذه الأعوام ماذا حدث للهند بعد أن قررت النهوض؟

نما الاقتصاد بأسرع مما كان علي مدي عقود، وبدأت الشركات تشغيل العاطلين، وانخفض حجم التضخم من أكثر من عشرة إلي ما دون العشرة، بحيث يمكن التحكم فيه، وانخفض الدَّين، كما تم استرداد احتياطي الصرف الأجنبي النفيس، وتجنبت الهند الأزمة، وظلت الأضواء مشتعلة لم تنطفئ في أعظم بلاد الدنيا في هندسة الكمبيوتر وأكبر عدد مهندسي البرمجيات في العالم.

أما الصين عندما تولي «هسياو دنج» مقاليد الأمور زار في نوفمبر 1978 بانكوك وكوالامبور وسنغافورة، وصل «دنج» إلي سنغافورة مرتديا البدلة الصينية (هي تقريبا البدلة الصيفي الشهيرة للموظف المصري )، وقام بجولة في أنحاء سنغافورة، ووجد في البلد نموذجا حديثا متقدما تكنولوجيا جديرا بأن تقتدي به الصين لتطوير نفسها، وقال السيد لي بعد ذلك بعقود: «كانت هذه الرحلة بمنزلة جرعة استنفار ونقطة تحول»، وكانت كذلك حقا سواء بالنسبة إلي دنج شخصيا أو إلي كل الصين، ولقد كانت ولا تزال سنغافورة - التي هي دولة صينية عرقيا - مشهورة علي نطاق العالم بما تتمتع به من استقرار، وأنها خاضعة لحكم الحزب الواحد، وتفتقر إلي الحريات واشتهرت كذلك بتحولها السريع والمثير من بلد نام إلي بلد حديث ورأسمالي، وتتدخل الدولة بقوة في عملية التخطيط الاقتصادي في سنغافورة، كذلك تقوم بإقامة بنية أساسية حديثة وجذب الاستثمار الأجنبي.، وبينما كان دنج يحاول في العام 1992 الإسراع في الإصلاحات، أرسل ما لا يقل عن أربعمائة وفد صيني متفرقين - من المحافظين ورؤساء البلديات وسكرتارية الحزب وغيرهم من الرسميين - إلي سنغافورة خلال سنة واحدة ليشاهدوا- في تعجب- الصورة التي يمكن أن تكون عليها الصين بعد التحديث. والنتيجة علي سبيل المثال في سنة 2000 كانت الصين تُصَدِّر 30 في المائة من لعب الأطفال في العالم، وبعد خمس سنوات كانت الصين تُصَنِّع 75 في المائة من كل اللعب الجديدة في العالم!

وأصبحت الصين علي مدي العشر سنوات الأخيرة صانع الأحذية العالمي، وتُصَدِّر زوجا من بين كل ثلاثة أزواج أحذية في العالم، وصدّرت الصين في العام 2001 ما قيمته 3.1 مليار دولار قطع غيار للسيارات، ووصل الرقم إلي 9 مليارات دولار خلال السنوات الأربع التالية، وصدرت الصين في العام 1996 ما قيمته 20 مليار دولار أجهزة كمبيوتر وهواتف خلوية وأجهزة تسجيل «سي دي» وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، وبحلول العام 2004 صدّرت الصين أكثر من أي بلد آخر ما قيمته 180 مليار دولارأي حوالي تسعة أضعاف، وتصدر الصين الآن في اليوم الواحد أكثر ما كانت تبيعه في الخارج علي مدي عام 1978 وقتما شرعت في الانفتاح الاقتصادي!

نجحت الصين والتي هي سلطة ديكتاتورية ونجحت الهند وهي دولة ديمقراطية حكامها ملزمون بالمحاسبة أمام البرلمان وأمام صحافة حرة (جدا)، فلماذا لم نفلح نحن في مصر؟ أخذنا من الصين ديكتاتوريتها ولم نأخذ تقدمها؟ ولم نأخذ من الهند لا تقدمها ولا ديمقراطيتها!

ليه؟

أقولك ليه !..

0 التعليقات:

إرسال تعليق