شعب الله المختار.. وشعب الله المحتار!


د. هبة رؤوف عزت

ذكرت في مقال سابق أن فضح الصهيونية وإعادة ربطها بالعنصرية، بل الوحشية في جميع المنتديات العالمية مسألة غاية في الأهمية في جهادنا المدني في الأوساط الاجتماعية والنقابية والأدبية والثقافية في العالم، ولا أقصد بالعالم أوروبا وأمريكا كما نفعل دوماً بل أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء وآسيا بكل أنحائها، وأستراليا ونيوزيلندا وكل الجزر من الكناري..للكاريبي.


الفكرة ببساطة هي جمع التواريخ حتي لا تنسي الشعوب ما حدث في الشعب الفلسطيني، والتأكيد علي فكرة أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، فاليوم كل الشعوب والقبائل التي تم استعمارها تطالب بحقها في الأرض وفي اللغة وفي المشاركة السياسية من السكان الأصليين في القارتين أمريكا الشمالية والجنوبية إلي شعب الصحراء في جمهوريته العربية جنوب المغرب وغجر أوروبا الشرقية وأصحاب الأقليات اللغوية في إسبانيا، والتاميل وكشمير وغيرها من أنحاء العالم التي تظهر بها حركات تقرير المصير، أو نضالات الاستقلال الذاتي. الذاكرة مسألة غاية في الأهمية، لذا نثمًّن كثيراً الجهد الذي يقوم به الدكتور سلمان أبو ستة المفكر الفلسطيني في التوثيق لحق الفلسطينيين في الأرض وجمع حُجج الأوقاف وعقود البيوت والأراضي التي تثبت حق أهل فلسطين في العودة لوطن قررت الدول الغربية أن تمنحه مجاناً للعصابات الصهيونية لتدمر تحت سمع وبصر العالم الغربي النسيج الاجتماعي والإنساني لشعب فلسطين وتقتل وتهجًّر ملايين البشر لتقيم دولتها كـ"شعب الله المختار»!.

ومسألة شعب الله المختار هذه تحتاج لبيان وكشف، فقد انشغلنا بما ألقته إلينا نظريات الاستشراق واتهامات حملات تشويه الإسلام من شبهات وأخذنا دور المدافع عن الإسلام، ولم نلتفت لنضال مهم هو النضال ضد فكرة شعب الله المختار التي تبناها اليهود واستبطنتها الصهيونية والتي تجعل باقي البشر «أغياراً» لا يتمتعون بنفس الحرمة ولا الذمة ولا الكرامة.

لم يدهشني أن يكون رد فعل القيادات الإسرائيلية علي تحقيق قاض إسباني في انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، أم تهدد تلك الأصوات وتتوعد إسبانيا أن لديها ملفات لانتهاكات قامت بها في البلقان، وبالتالي تصبح القاعدة: اسكت عن جرائمي وأنا أسكت عن جرائمك، وهكذا نعيش في عالم صامت يحكمه مجموعة من المجرمين المتواطئين علي جرائمهم جميعاً!!!

لم تكلف إسرائيل نفسها بنفي الجرائم، ولا دفعت بعدم اختصاص القاضي، بل تسير إسرائيل دوماً من مذبحة لأخري مرفوعة الرأس ويدها ملطخة بالدماء، لأنها تعلم أنها تستطيع ابتزاز الجميع بملفات جاهزة لجرائمهم الجماعية أو الفردية «الابتزاز الفردي بعد التوريط في جرائم شرف أو جرائم عرض حيلة مخابراتية معروفة».

تسير إسرائيل وهي تنظر للباقين من سكان الدنيا باحتقار، وتنظر للفلسطينيين باعتبارهم أكواماً بشرية تستحق الإبادة ولا تجد في فعلها الوحشي أي غضاضة!

يعود الجندي الأمريكي من فيتنام في العقود الخالية وقد أصابه اكتئاب من جرائمه فينتحر، أو يبقي في مصحة نفسية فترات طويلة، في حين يعود الجندي الإسرائيلي من مذبحة غزة وقد أطلق الرصاص مباشرة علي أطفال رُضَّع وبهائم رُتَّع وقد استوي عنده القتل في الحالتين، فالأغيار كالدواب خلقهم الله لخدمة اليهودي، فإن ضايقوه أو أقلقوه حُقَّ عليهم التدمير..ولا مشكلة..ولا ذنب..ولا عقاب!

يحرفون الكلم عن مواضعه، ويسمون الأشياء بغير أسمائها ولا يرقبون في مؤمن - مسيحياً كان أو مسلماً- عهداً ولا ذمة.

لذا من الأهمية بمكان تحرير المفاهيم وتحرير العقول وتحرير الألسنة في التعامل مع جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل.

اللعبة كلها في اللغة، من يقول ماذا وماذا نسمي ماذا، وللغرب ولإسرائيل سجل حافل في تسمية الاستعمار: تنويراً وتبشيراً، وتسمية المذبحة أزمة، وتسمية المجرم رجلاً سياسياً محنكاً لدولة صديقة، وتسمية العدوان: حماية للحدود، وتسمية تجويع الشعوب بالحصار: ضرر لا يمكن تجنبه، وبالطبع تسمية حرب التحرير إرهاباً، والهوية الثقافية تخلفاً، والاجتياح الاستهلاكي:عولمة، والهيمنة:تحويل العالم لقرية صغيرة.

لكن هناك واجب موازٍ هو متابعة كل الجرائم التي يرتكبها أنصار إسرائيل أيضا، فالجيش الأمريكي له سجل من الجرائم، من رفض مثول جنوده أمام المحكمة الجنائية الدولية لانتهاك أبسط قواعد الحرب بضرب المدنيين في العراق وأفغانستان لجرائم شخصية مارسها جنود الاحتلال الأمريكي من قتل وسطو وانتهاك أعراض آخرها علامات الاستفهام حول نتائج تحقيق في جرائم اغتصاب تحت تأثير مخدرات مارسها رئيس مكتب المخابرات الأمريكية في الجزائر والذي قضي بعض الوقت من خدمته أيضاً في القاهرة (!). أما جرائم القوات الدولية في البلقان فلن ننساها.

في عالم واسع ينبغي أن نفضح شعب الله المختار ، وندعم شعب الله المحتار، هذا الشعب العربي الذي «غُلُب حماره» مع قياداته من الأسود عليه وفي الحروب نعامة كما يقول الشاعر، والذي احتار في المثقفين الذين اختاروا الدولة علي الشعب واحتار في المعممين الذين اختاروا الدولة علي الدين.

لن يهزم شعب الله المحتار من يزعمون أنهم شعب الله المختار- فيسعون في الأرض فساداً - وهو حائر في تدبير لقمة عيشه.. لا لضيق في الموارد، بل لنهب البلاد من جانب النخب، وهو المحتار في توفير احتياجاته التعليمية والصحية والسكن.. لا لضعف في الكوادر، بل لفساد في الذمم وترد في أداء الخدمات العامة، أو وهو محتار في كيفية التغيير وسبيل النهضة بعد أن سُدَّت كل منافذ التعبير والعمل المدني الحقيقي الذي يكفل بناء مجتمع حر قوي، وتم إغلاق منافذ المشاركة السياسية بقرارات سيادية أو قوانين همايونية أو تعديلات دستورية أشبه بالقنابل الفسفورية تحرق كل معاني العدل والحرية والمواطنة.

وإلي أن نكف عن هذه الحيرة ونتوافق علي جبهة ديمقراطية تقودها قوي جديدة شابة بأفكار طازجة معاصرة حية ضد نظام تسوده -كما تسود قوي المعارضة- شيخوخة العمر والفكر والمقولات، فسنظل علي حيرتنا وتظل إسرائيل علي غطرستها، تهدد أمننا القومي وتستعرض قوتها في حين صارت التصريحات الرسمية النارية هي الوسيلة الوحيدة للرد بدلاً من الردع.

والفارق بين الرد والردع..عين.. عين!

0 التعليقات:

إرسال تعليق