هذه الأشياء الصغيرة



أحمد المسلمانى

ما الذى فعله رئيس الوزراء التركى العظيم أردوغان مع إسرائيل؟ الإجابة: لم يفعل الكثير.. لا قطع العلاقات الدبلوماسية، ولا أوقف المعاملات التجارية، ولا ألغى اتفاقيات التعاون العسكرى.

لكن أردوغان الذى يعرف جيداً ما هى السياسة، فعل تلك الأشياء الصغيرة.. المبادئ التى لا تكلف الكثير من الجيش ولا المال ولكنها تعنى الكثير من الاعتبار والاحترام.

استثمر أردوغان فى المبادئ ونال بعائد الأخلاق ما لم ينله زعيم آخر فى تلك المحنة، قال أردوغان عن الحرب ما هو لازم، وقال عن الضحايا ما هو واضح، وقال عن إسرائيل ما هو شائع. لم يفعل أردوغان إلا هذة الأشياء الصغيرة الكبيرة. لم يطالب أحد تركيا بقطع العلاقات، ولم يتظاهر عربى واحد يطلب من أنقرة طرد السفير، ولم يخطب ثائر أو تاجر يزايد على موقف رجل استقبل كل قادة إسرائيل واحداً تلو الآخر.

■ لكن.. لماذا لم يحدث الأمر نفسه مع مصر؟ ولماذا تجرأ على بلادنا كل من هب ودب وما لم يهب وما لم يدب؟ ولماذا أصبحت القاهرة مرمى نيران العرب بديلاً عن تل أبيب؟ ولماذا تجاسر قادة فصائل وفسائل على الهجوم على بلادنا دون اكتراث بحاضر المحنة أو قادم الأيام؟

■ الإجابة أسهل من الأسئلة.. ذلك أن فى مصر دبلوماسية تساوى صفراً وإعلاماً يساوى صفراً.. لأن الذين يعبرون عن بلادنا أقل من مستوى قرانا ونجوعنا.. لأن لدينا وزير خارجية لا يعرف شيئاً عن مصر أو العالم.. لا يعرف كيف يؤيد ولا كيف يهاجم ولا كيف يرد ولا كيف يجادل ويناور.. وزير خارجيتنا فشل فى الصمت بمثل ما فشل فى الكلام.. كلامه من تراب وسكوته من ذهب.

أسس وزير خارجيتنا نوعاً جديداً من الدبلوماسية هو دبلوماسية المصطبة مزيج من أحاديث ربات البيوت وثرثرات المراهقين وانفعالات العامة.. لا فكر ولا رؤية.. لا تكتيك ولا استراتيجية.. ولا أى شىء.

■ فى كل مرة يخطئ الآخرون ويظهر للجميع حجم المزايدات والرياء الذى هم فيه يرتعون، يقوم وزير خارجيتنا بما ينزع عنا الهيبة ويعيد إليهم الاعتبار، لو صمت وزير خارجيتنا تماماً لكسبت مصر ثلاثة أرباع المشهد الراهن.. ولو أنه أجاد بعض العبارات لكسبت مصر المشهد بكامله.

■ كان يمكن للوزير ألا يهاجم حماس ولا حزب الله ولا قطر، كان يمكن ألا يوقع بلادنا فى خصومات لا تجوز ولا تليق. وكان يمكنه أن يُظهِر بلادنا طرفاً لا وسيطاً وداعماً لا مشاهداً.. وكبيراً فوق جميع الأدوار والرجال.

كان يمكنه أن يطلق تصريحاً قوياً بالتفكير فى طرد السفير، والشروع فى وقف الغاز والتمهيد لإلغاء أبوحصيرة، والمرونة فى إدارة المعبر، والإعداد لمحاكمة إسرائيل. وحتى لو لم يفعل الوزير أى شىء من ذلك فإن أردوغان أيضاً لم يفعل، ولكنها السياسة والقيادة.. إنها المسافة الشاسعة بين دبلوماسية الدولة ودبلوماسية المصطبة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق