«البشير» رأس الذئب الطائر!


الكاتبة الكبيرة عايدة العزب موسى

إذا لم يسلم البشير نفسه فسنقبض عليه ونسلمه للمحكمة الجنائية الدولية، وأنا أنصح الأخ البشير أن يذهب عن طوع نفسه إلي المحكمة» هذه الكلمات هي ما قالها للصحفيين د. خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة، عندما أشيع خبر غير مؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قرار اعتقال بحق البشير!

وقد نفت المتحدثة باسم المحكمة صدور قرار بذلك.

جري هذا القول في العاصمة القطرية «الدوحة» أثناء مفاوضات جرت بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة، امتدت ثمانية أيام، ولم تسفر إلا عن اتفاق نوايا يمهد لمحادثات سلام فيما بعد.

التهمة الموجهة للرئيس «البشير» من المحكمة هي ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ولكن المدعي العام للمحكمة «لويس مورينو أوكامبو» اختار جريمة الإبادة الجماعية لتكون التهمة الرئيسية برغم أن تقرير اللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة لتقصي الحقائق في أحداث دارفور التي شكلت عام 2004 أشار إلي أنه لم تكن هناك سياسة رسمية بارتكاب الإبادة الجماعية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو من خلال الميليشيات التي تسيطر عليها الحكومة، فكيف استنتج «أوكامبو» نية الإبادة لدي «البشير» وبشكل قاطع من الأدلة المقدمة؟!

كما أن «البشير» أوقف إطلاق النار من جانب واحد وقيد استخدام الجيش للسلاح وشرع في إجراءات نزع أسلحة الميليشيات ووعد بتعويض المتضررين من الحرب. أليست هذه خطوات تحسب له؟! أم أن المطلوب أن يكون «البشير» رأس الذئب الطائر؟ المفروض إذا كان هناك رئيس يستحق المثول أمام المحكمة فهو «جورج بوش» الابن ومن قبله «بوش الأب» لما فعلاه بشعبي العراق والصومال التي ليسا لهما أدني صلة بها من قريب أو بعيد، وكذلك أولمرت وعصابته في غزة.

نعود إلي صلب الموضوع، من هو «خليل إبراهيم» الذي يهدد بالقبض علي البشير ومن أين يستمد هذا الجبروت؟ إنه زعيم أحد فصائل التمرد في دارفور التي وصل تعدادها إلي 30 فصيلاً، وحركته المسماة «جبهة العدل والمساواة» ليس لها وجود قوي سياسياً أو عسكرياً ولا تسيطر علي أرض وبالتالي هي لا تمثل شعب دارفور ولا تمثل كل مكوناته، حتي أها في عام 2006 رغم وجود ممثلين عنها أثناء محادثات السلام التي جرت بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان في أبوجا، وكللت باتفاقية السلام DPA استبعدوا من المحادثات باعتبارهم غير فعالين.

إن د. خليل إبراهيم ليس الزعيم الأوحد لحركات المعارضة، فهل مجرد زعامة فصيل يعطيه الحق بالتكلم عن كل شعب السودان؟! أو أن يكون له الحق في إلقاء القبض علي رئيس دولته؟! إن خليل إبراهيم وأمثاله كثر في دول أفريقية وهم في حقيقتهم معارضون بالوكالة أي إنهم يقوون ويتحركون وينفذون أجندة وكلاء دوليين وإقليميين «المخابرات الأمريكية والبريطانية» بالتحديد.

خليل إبراهيم خرج من عباءة الدكتور حسن الترابي ليقود حركة مسلحة ضد النظام السوداني. ففي عام 2003 ظهرت حركة تحرير دارفور وتبناها الزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق وطب تغيير اسمها إلي حركة تحرير السودان رفضت حركة العدل والمساواو الامتثال لطلبه. وقد أدرك قرنق حينذاك أن الحركة تختلف كلياً عن نظيرتها حركة تحرير السودان خاصة عندما ظهر انتماؤها الإسلامي ورفضها المناداة بالعلمانية كحل لمشكلة دارفور. ولعل انتماء خليل إبراهيم إلي حسن الترابي يبرر موقفه المتشدد من الرئيس البشير الذي يعاديه الترابي وأصبحا علي طرفي نقيض بعدما كانا متزاملين في البداية. وعلي العموم فكلتاهما الحكومة وحركة العدل والمساواة مرفوضتان من الغرب والولايات المتحدة لتوجههما الإسلامي ومطلوب تصفية كل وجود فاعل للإسلاميين في السودان سواء أكان في الحكم أو في المعارضة!

جذور القضية:

بدأت مشكلة دارفور تظهر علي السطح عندما قامت حركة تحرير السودان وخاضت هجمات عصابات علي حاميات حكومية، وردت عليها الحكومة بميليشيات الجنجويد التي تتشكل من عرب دارفور.

وأصل المشكلة تعود إلي ما قبل عام 1984 حيث حلت مجاعة لم يتم الفكاك منها وزادت مع نمو السكان، وكان اهتمام الحكومة السودانية ضعيفاً وشعورها بالمسئولية كان سلبياً ولم تقدم استثمارات مناسبة، وافتقدت السلطة المركزية والمحلية تمثيلاً مناسب لأهل هذه المنطقة، يضاف إلي ذلك الحتكاكات التقليدية والتنافسات بين أهل العشائر المختلفة التي لا تقوم بين العرب والأفارقة فقط بل تقوم بين العرب وبعضهم البعض وبين الأفارقة وبعضهم البعض.

والكلام السائد هو أن الصراع في دارفور هو صراع عشائري في الأساس نتج عن عداء طويل المدي بين المزارعين الأفريقيين والبدو العرب، وأنه يتركز أساساً علي المنافسة علي الأرض أي علي الرعي والماء، وأن المتمردين يمثلون الأفارقة بينما العرب تؤيدهم حكومة السودان من خلال الجنجويد، وإن الحكومة الصينية التي تحصل علي ثلثي بترول السودان تقف موقفاً سلبياً واختارت عدم استخدام نفوذها للضغط علي الخرطوم لوقف هذه المآسي والاختراقات لحقوق الإنسان.

ومنذ تصاعد القتال عام 2003 اعتادت الصحف الأفريقية أن تتضمن أخباراً وتعليقات عن دارفور تصور العرب علي أنهم غرباء عن الأرض وأنهم آتون من الخارج رغم أنهم يشكلون 80% من الأهالي، وإن الأفارقة هم أصحاب الأرض، وعلي سبيل المثال فإن 1500 مقالة نشرت عن دارفور بين أعوام 2004 - 2007 في الصحف الناطقة بالإنجليزية وحدها عدا الصحف الفرنسية والعربية والصحف الناطقة باللغات الأفريقية. وأغلب الكتابات صوَّرت المسألة العرقية علي أنها العنصر الأساسي في الصراع العنيف، وصورت الحرب بشكل ثابت في صياغات عرقية بتبسيط متناه مما يكشف عن تحامل ضد العرب ويظهر العرب كما لو كانوا أجانب، ومن ثم فإن المسائل السياسية المتعددة والمتشابكة المتعلقة بهذا الصراع تقلصت إلي نظرة ضيقة تتعلق بالخير في مواجهة الشر أي الأفريقي في مواجهة العربي، وهذا ما أنتجته وسائل الإعلام الغربية!

وهذا العرض لا يفسر كيف أن جماعات عاشت تاريخياً مع بعضهما شالبعض وتاجروا وتعاملوا وتزاوجوا مئات السنين يصيرون الآن في قلب حرب قاتلة وغير متوازنة بين حكومة مسلحة جيداً وميليشيات شديدة القسوة من جانب وبين متمردين من جانب آخر ويتسبب كلاهما في قتل الآلاف. وتصبح اللغة السائدة في الكتابات الأفريقية أن التعصب العربي لايزال يقتل الأفارقة السود! ويصفون العرب بالميليشيات العربية ويسمون الأفارقة الضحايا! وتكثر الأقلام التي تلوم الأفريقيين علي أنهم لا يدافعون عن إخوانهم السود في السودان ولا يواجهون العرب الذين يصطادون الأفارقة. ولكنهم لا يفسرون من هم العرب أليسوا هم أفارقة أيضاً وهم سواء كذلك وأنهم اتصلوا ببعضهم واختلطوا من قديم.

إن الاعتماد علي أن العرب ضد الأفارقة السود كأساس لفهم الصراع ينطوي علي إنكار العلاقات التاريخية التي تقوم بينهم في دارفور، وأن من ينظر إلي صور لمن يقال عنهم عرب جنجويد ومن يقال عنهم الأفارقة السود يتأكد كيف تتشابه ملامحهم بحيث يصعب التمييز بينهما، وأن وصف السودان بأنه عناصر متعددة هو وضع القارة الأفريقية كلها التي تتشكل من عناصر متعددة الأعراق واللغات. وأن القول بأن العرب يوجدون في الشمال في السودان والأفارقة في الجنوب هو قول لا يعني شيئاً بالنسبة لدارفور التي تقع في الغرب.

الحالة الدارفورية:

هذه التصورات للحالة الدارفورية تبدو سطحية والحقيقية أكثر تعقيداً من ذلك، ومع تناثر حركات التمرد والقتال عبر الحدود وافتقاد النظام والقانون يكون من الصعب إدانة عرق ضد عرق آخر، يضاف إلي ذلك قطَّاع الطرق الذين يسرقون الشاحنات التي تبعثها الوكالات الإنسانية للغوث «سرقت في العام الماضي 60 شاحنة وفقدت 39 أخري واختف نحو 709 أطنان من الأغذية.

وفي وسط هذه الفوضي تصاعد القتال علي الحدود بين تشاد ودارفور كما أدي إلي تهجير أعداد كبيرة من الأهالي وأصبح 5،2 مليون شخص يعيشون في معسكرات وعدد يتراوح ما بين 200 و300 ألف قتلوا أو ماتوا بسبب المجاعات والأمراض التي نتجت عن الحرب.

ولا شك أن ذلك مهما كانت مدي صحته يشكل كارثة، ولكن الرئيس البشير يشكك في هذه الأرقام ويقول إن القتلي لا يكادون يصلون إلي تسعة آلاف فقط، والقول بقتل العرب للسود هو محض أكاذيب فحكومة السودان هي حكومة الشعب بكل خلفياتهم العرقية «ونحن جميعاً أفارقة نحن جميعاً سود».

إن الصراع في دارفور ليس صراعاً بين العرب «والزرق» أي الأفارقة كما يطلق عليهم فالعرب أكثر تهميشاً، والحكومة السودانية اضطهدت العرب وتجاهلتهم رغم أنهم يمثلون 80% من السكان. وخلاصة الأمر يمكن إيجازها في خمس نقاط:

أولاً: المشكلة بدأت من عام 1984 مع القحط الشديد الذي حصل في ذلك العام ولم تُعَالج آثاره بل زادت بعد ذلك.

ثانياً: إن أهل دارفور قبائل وعشائر متناحرة فيهم عرب ضد عرب وأفارقة ضد أفارقة.

ثالثاً: إن قوات حفظ السلام كانت سبعة آلاف أيام الاتحاد الأفريقي متحركة علي مساحة قدر فرنسا، ولما أتت قوات الأمم المتحدة وقُدّر أن يكونوا 26 ألف لم يأت فعلياً إلا تسعة آلاف، يقارن ذلك بالبوسنة التي مساحتها مثل مساحة بلجيكا ذهب إليها 50 ألف مقاتل مجهزون أفضل تجهيز، فلم تقو هذه القوات علي حفظ السلام شأنها شأن قوات الحكومة.

رابعاً: أن تحقيق السلام لا يتم إلا من خلال حوار دارفوري دارفوري ينهي الصراعات القبلية والعشائرية.

خامساً: الأمريكان وأوروبا لا يهمهم العرب ولا الأفارقة كل الذي يهمهم الضغط بهذه المشكلة علي السودان لأن السودان يعطي الصين ثلثي بتروله!

0 التعليقات:

إرسال تعليق