'مهنية' اعلامية بانتظار العلم الابيض!


'مهنية' اعلامية بانتظار العلم الابيض!
زهرة مرعي
في اليوم الثاني عشر للعدوان على غزة إستمر الإعلام العربي على حاله تماماً كما كان في اليوم الأول. هو منقسم إلى معسكرين كما هو حال الأنظمة العربية. فمعسكر الإعلام التابع للأنظمة التي تريد تأديب حركة حماس ظلّ متابعاً لبرامجه المقررة سلفاً كالمعتاد. ومعسكر الإعلام الوطني والقومي والحر من قيود تلك الأنظمة المتربعة على عروشها جندّ نفسه على مدى الأيام كاملة لتبيان ما تركته آلة الحرب والعدوان الصهيوني على أهل غزة من مآس. لبنانياً لم يتبدل المشهد عن اليوم الأول، وحدها قناة 'المنار' ظلت في حالة التأهب القصوى لنقل كل ما يجري في القطاع. قناة 'العربية' التي تصنف نفسها إخبارية لم تستطع الإبتعاد عن مهمتها، خففت بعد أيام من تواصل العدوان من إتهاماتها لحركة حماس. ومع تخطي عدد الشهداء الـ 660 بينهم 215 طفلاً و98 إمرأة لم يحظ هؤلاء من قناة 'العربية' بالتشرُف بمرتبة الشهداء. إنهم بنظرها 'قتلى'. هي المهنية التي قررت إعتمادها قناة 'العربية' فساوت بين المغتصب والمعتدي الصهيوني وبين صاحب الأرض والحق الفلسطيني. فمبروك لقناة 'العربية' مهنيتها العالية، ومشاعرها القومية المرهفة!
في اليوم العاشر للعدوان، حيث كانت 'الجزيرة' منذ اليوم الأول شاشة ترضي كل عقل عربي لم تخترقه سوسة السياسة الرسمية المتآمرة جهاراً وبوضوح ودون خجل أو وجل أو حتى أسف على مئات الضحايا الأبرياء. من هذه القناة تابعنا أخبار إبادة عائلة السمولي. أب يندب أبناءه، أبناء أشقائه ، أشقاءه ووالديه. بقي له طفل راح ينظر إليه كمن ينظر إلى كنز مفقود. تمنينا أن تكون عائلة السمولي آخر العائلات المبادة لأن أطفالها بحسب الناطق بإسم 'جيش العدوان الإسرائيلي': كانوا يقفون قرب مطلقي الصواريخ، وليس في منزل سقط على رؤوسهم بطبقاته الأربع. عائلة السمولي لم تكن الأخيرة المبادة، تبعتها عائلات عدة بينهما تلك العائلات بالأطفال والنساء الذين لجأوا إلى مدارس الأونروا بعد أن إنهارت منازلهم. وكانت مجزرة مدرسة الأونروا في عشية اليوم الحادي عشر حوالى الخمسين شهيداً من الأطفال والنساء.
يا للمفارقة! مجزرة اليوم الأول التي رفعت إلى السماء أرواح أكثر من 200 شهيد في خلال ثلاث دقائق لم تحرك الضمير العالمي ولا العربي. بقي الجميع يطالب بالأمن والأمان لسكان المستوطنات في جنوب الكيان الصهيوني. وبقي الجميع يبص على الشاشات خلسة مُعمياً عينيه عن صور الأشلاء المقطعة والأطفال الشهداء المحمولين بين أذرع آبائهم وأقاربهم والجيران إلى مثواهم الأخير. وبقي هؤلاء يتلصصون على الشاشات بإنتظار رؤية العلم الأبيض يرفعه المقاومون في غزة. وبما أنهم حتى اليوم الثاني عشر لم يبصروا ولم يروا سوى الدمار والنار والقذائف الفوسفورية المتلألئة في سماء غزة جاءت في ذلك المساء الدامي كلمة enough enough enough من القاهرة. وكانت رداً أرعب ليفني التي وقفت في القاهرة لتعلن العدوان على غزة. وكانت مبادرة لوقف إطلاق النار سيليها بكل تأكيد تجاذبات لا حدّ لها، يعمل فيها الجانب العربي قبل الغربي على الأخذ من مقاومة غزة بالمفاوضات ما لم تستطعه آلة الحرب الصهيونية.
في اليوم الحادي عشر للعدوان وبعد قصف إحدى مدارس الأونروا رغم ظلال علم الأمم المتحدة فوقها، شاهدنا على شاشة 'الجزيرة' جون كينغ مدير عمليات غوث اللاجئين في غزة والذي عاد إليها من القدس ليكون على تماس مع مسؤولياته. جون كينغ ذلك الإنسان الذي لا شيء يجبره على البقاء في غزة سوى إنسانيته قال بوضوح: 'المئات لجأوا إلى مدارسنا والجيش الإسرائيلي يعرفها بوضوح وعليها علم الأمم المتحدة فلماذا تُقصف؟' لكننا وللأسف لم نعرف ردة فعله بعد مجزرة المدرسة في تلك الليلة الموحشة المظلمة.

الإعلاميون العرب والتماس الكلامي مع الصهاينة

بما أنه مفروض على قناة 'الجزيرة' إستقبال الصهاينة على شاشتها، ومفروض علينا أن نتابعهم ونحن نعيش شعوراً مقيتاً حيالهم وحيال تدجيلهم. يبقى أن نشير إلى أننا نتساوى في هذه المشاعر مع الزملاء الذين نلمس مشاعرهم من خلال أعينهم وأسئلتهم ومحاولاتهم مقاطعة هؤلاء حين يسترسلون في كذبهم بعيداً عن السؤال المطروح.
هذا كان حال الناطق بإسم 'جيش العدوان الإسرائيلي' عندما سئل عن جعل مدارس الأونروا هدفاً وذلك بعد سقوط ثلاثة شهداء في إحداها خلال نهار اليوم الحادي عشر وقبل مجزرة المساء. راح يدور ويلف إلى أن أبرز صورة فيها فتيان يتحلقون حول مقاوم يتعامل مع مدفع ليقول أن وجودهم هذا يقتلهم. الزميل حسن جمول بادره للرد: لا نعرف صحة هذه الصورة ونسألك عن الأطفال في عمر الأشهر والسنوات الأولى وبالكاد يمشون يقتلون هل لأنهم كانوا حول مدفع؟ ومع ذلك بقيت الإجابة بعيدة عن السؤال.
في مثل تلك الحوارات على قناة 'الجزيرة' ليس لنا سوى التمني بأن يتمكن المحاورون من إسكات المفترين الصهاينة في الوقت المناسب، وأن نتمنى لهم الصبر والقوة لمواجهة هؤلاء النازيين.
في المقلب الآخر ومن داخل ما يعرف بالخط الآخر قلوبنا على الدوام مع وليد العمري، الياس كرّام وشيرين أبو عاقلة لهذا الضغط النفسي الذي يتحملونه كمواطنين فلسطينيين. ونحيي الياس كرّام عندما كان يغطي مظاهرة سَخنين العربية وكيف نهره ذلك المعتدي الصهيوني على الهواء مباشرة والذي وصفه باليميني، لكنه يا الياس صهيوني أولاً وأخيراً. كان الياس كرّام كما الأسد الذي يدافع عن أشباله.

ماجدة الرومي... مارسيل خليفة وغزة المستباحة

في ذلك اليوم الأول من السنة الجديدة أطلّ كلام'الناس مع الفنانة ماجدة الرومي فكانت إنسانة معصورة بالأسى والألم. مجبولة بالأمل والرجاء. مؤمنة بحق الشعب الفلسطيني بأرضه، كامل أرضه. قالت ماجدة الرومي: سوف ينتظر الفلسطينيون كثيراً لكن الرجاء موجود. وقالت للزعماء العرب: 'ما تعتبروا غزة بعيدة كثير عنكم. إسرائيل إلتهاب في الجسم العربي والإلتهاب يتمدد'. فهل يسمعون؟
الرجاء والأمل الذي بثته ماجدة الرومي في إستديو 'كلام الناس' دفع مارسيل غانم لسؤالها على ماذا تراهن؟ فكان ردها بسيطاً جداً: 'لو بقيت القوة بيد واحدة لكنا حتى الآن تحت الإحتلال الروماني'. وأضافت: 'إنتصار تموز (يوليو) أختصر المسافة بيننا وبين فلسطين'. وحيت السيد حسن نصرالله على إحساس الإنتصار الذي بثه في جسد الأمة العربية جمعاء.
وقد حلّ الفنان مارسيل خليفة مؤخرا ضيفاً على 'خليك بالبيت' الذي خصص الحلقة كتحية لأهل غزة. وفي هذه التحية تمنى مارسيل'خليفة لو كان قادراً على قتل الموت ورده عن أهل غزة وأطفالها. وقال لهم :'أحبكم'. وباح بأن 'فلسطين ذخيرة في صدري أتفقدها يومياً منذ بدأت الفن'.
في هذا اللقاء تحدث خليفة كثيراً عن محمود درويش الذي كان يصفه بـ 'توأم قلبي'. وبثت الشاشة الكثير من المشاهد عن حفلات مارسيل خليفة في سورية والتي كانت تحت عنوان 'ونحن نحب الحياة.. تحية لمحمود درويش'. وكأن زمن المقاطعة الإعلامية لدمشق إنتهى على شاشة المستقبل.
صحافية من لبنان
zahramerhi@yahoo.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق