أسامة خليل يكتب : الإعلام البوليسي

أسامة خليل يكتب : الإعلام البوليسي

طوال شهرين وأنا أبحث عن موضوع أو قضية تستفزني وتضغط علي عصب الكتابة بداخلي، لكي أعود مرة أخري للظهور علي صفحات جريدة «الدستور» التي أتشرف بالانتماء لتجربتها الأولي وأنبهر بقوتها وصلابتها وعزيمتها ونضالها المهني والسياسي في تجربتها الثانية التي نحن فيها الآن.

الكتابة هنا ليست نزهة أو رفاهية لإشباع الذات أو إرضاء لغرور صحفي يحاول أن يجد لنفسه مكاناً مميزاً وسط مناخ ملوث ومرتبك ومشتبك وتائه ومنفعل يلتبس فيه الحق بالباطل، وصاحب القلم بصاحب الدكان، والكاتب بالتاجر، والشريف باللص، والمحترم بغير المحترم، الوطني بالخائن.. الطيب بالشرير.. المتدين بالمتطرف.

من الصعب وسط هذا الالتباس أن تجد طريقاً ثالثاً واضحاً وصريحاً، تتحدث فيه بموضوعية وعقلانية وتجد من يقرؤك ويصدقك ويتفاعل معك.. فكل الجرائم الآن ترتكب باسم الحق والعدل وحب الوطن والمصلحة العامة.. ومن الطبيعي أن تلتبس الأمور علي الناس وتنهار مصداقية الجميع.. فكيف يكونون كلهم شرفاء والوطن مسروق.. كلهم مخلصون من أجل الوطن.. والوطن مريض.. كلهم طيبون والوطن غارق في الشر والجريمة والكراهية والعنف.


.. والكتابة في ظل هذا المناخ ـ من وجهة نظري ـ نوع من العبث.. طق حنك لا يسمن ولا يغني من جوع.

بسم الله الرحمن الرحيم: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» فإذا كانت أنفسهم مريضة ومختلة وفاسدة فهل تعتقد أن الكلام والكتابة حتي لو كانت طيبة وأمينة ومخلصة وشريفة ستغير شيئاً، أشك في ذلك.. لكنها روح المقاومة وعزيمة الحياة التي تضغط علي وتر الكتابة وتبث الدم في العروق الجافة والنفوس اليائسة.. فاستفز وأعود لكتابة المقاومة ربما تتحرر النفوس من ضعفها وخمولها وفسادها وعنفها.. ربما نجد طريقاً ثالثاً نسير فيه جميعاً.. ربما.

المهم انتظرت طويلاً حتي أجد قضية أو موضوعاً يستفزني ويدفعني من شدة فجاجته وقسوته للانفجار والعودة لـ «كتابة المقاومة» والمقصودة بالمقاومة هنا ليس مقاومة المجتمع وفساده ـ لا سمح الله ـ بل مقاومة النفس لليأس.. مقاومة شخصية لا أقصد منها ضرر الآخرين أو محاربة الفاسدين والجالسين علي مقاعدهم إما لنهاية الأجل أو ليوم الدين.. أيهما أقرب!!

وبالفعل فعلها شوبير واستفزني بمعالجته البوليسية والأمنية لقضية مشجعي «الألتراس الأهلاوي».. فقد خصص حلقات برامجه التليفزيونية لضرب هذه المجموعة من الشباب المتطرف في تشجيع فريقه، تطرفهم نفسه وإن اختلف عنهم بقيادته قوي الأمن المركزي لملاحقتهم والقبض عليهم والتمثيل بأفكارهم والتعريض بحياتهم الخاصة.

وقبل أن أخوض في الموضوع يجب أن أوضح أولاً أنني كنت واحداً من الأوائل الذين تعرضوا لقضية الألتراس وأفكارهم وخطورتهم علي الرياضة في وقت كان أغلب الزملاء يخشون مواجهتهم خوفاً من صاروخ طائر أو هتاف بذيء أو حرصاً علي شعبية زائفة لجمهور هذا أو ذاك.

لكنني عندما تعرضت لهم وناقشت أفكارهم وتصرفاتهم الانفعالية، كنت أتحدث بالرأي والفكر والحجة، أتحاور مع الآخر حتي ولو كان متطرفاً حتي نصل لمنطقة التقاء، نتحاور من أجل المراجعة والتصحيح والتقويم أتحدث بالقلم وليس بالمسدس.. أكتب من منطلق ما أراه خطأ.

الألتراس ليسوا نبتاً شيطانياً، بل شباباً ولدوا نتاجاً طبيعياً أو شبه طبيعي لمجتمع غابت فيه قيمة الحق.. والعدل والحرية وانتشر فيه الفساد والسرقة والاغتصاب.. هم أبناء مجتمع ملوث الهواء والطعام والإعلام والصحافة والسياسة.. هل تعتقدون أن هذا المناخ يمكن أن يفرز إنساناً طبيعياً فكرياً وعقلياً وذهنياً وبدنياً؟! بالطبع لا!

وقبل يومين في لقائنا شبه الأسبوعي أنا وإبراهيم عيسي وعمرو خفاجي ومع الغم والهم والحديث عن «غزة المذبوحة» تحدثنا عن التعليم وهو أمر لم يكن مطروحاً بإلحاح علي مائدة لقائنا من قبل، ودائماً ما كان اشتباكنا مع هذه القضية سماعياً لكن وجدنا أنفسنا بعد أن وهبنا الله أطفالاً ألقينا بهم في جهنم التعليم.. نكتشف أن القضية خطيرة.. وأن التعليم في بلدنا ضائع وأننا نحن مواليد العقد الستيني من القرن الماضي كنا ضمن آخر من ركب قطار التعليم المحترم.

أقصد أن مواليد أواخر السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، لم يأخذوا حظهم من التعليم الصحي الصحيح الذي ينتج شخصاً سوياً، وبالتالي فإن التعامل معهم يجب أن يأتي في ظل الظروف التعليمية والثقافية والاجتماعية التي نشأوا فيها.. فهم نتاج ما زرعناه وإخلاء مسئوليتنا الآن والتعامل معهم باعتبارهم متطرفين وشواذ نفسياً وخطراً علي المجتمع يستوجب استئصاله بالعصا البوليسية ـ كما يفعل شوبير ـ هو أمر من شأنه أن يحولهم إلي أشخاص أشد تطرفاً قد لا يكون في كرة القدم لكن في شيء آخر.. وربما يتحول من كانوا يتحركون أمامنا في العلن إلي حركات سرية رافضة لمجتمعها وكارهة له ومنتقمة منه!!

وإذا كانت هذه هي الخطوط العريضة لخطورة ما فعله شوبير فإن تفاصيله تكشف جريمة إعلامية وبوليسية.. فعندما يتحول الإعلامي إلي مخبر والصحفي إلي مرشد والوسيلة الإعلامية «صحيفة أو تليفزيون» إلي أداة بوليسية.. فإننا هنا أمام وسيلة قمع أشد قسوة من قمع عصا الشرطة.

أولاً.. بالنسبة للجريمة الإعلامية:

قام الكابتن شوبير بعرض C.D لحفل خاص أو جلسة مغلقة لمجموعة من شباب ادعي أنهم ينتمون للألتراس وهم يشربون الخمر والبانجو والحشيش.. وقد أذيع الحفل علي الهواء مع وضع شريط أسود علي أعين الشباب.

وهنا لن أناقش ما إذا كانت هذه المجموعة تنتمي إلي الألتراس أم لا فهذا أمر يبحثه رجال البوليس بالتعاون مع كابتن شوبير.

لكنني أتوقف عند أمرين، أري فيهما خرقاً إعلامياً بغض النظر عمن هم أصحاب الشريط، الأول: خرق خصوصية مجموعة من الناس يجتمعون مع أنفسهم ويفعلون ما يفعلون وسواء أكان ذلك سلبياً أم إيجابياً فهذا شأن خاص بهم وإذاعته علي شاشة التليفزيون فيه اعتداء علي حريتهم وإذا كان ما يفعله هؤلاء ضد القانون، وهو كذلك، فإن هذا شأن الشرطة.

إذا أضفنا إلي ذلك أن شوبير الذي يذيع حفلاً خاصاً ويعتبر ذلك انفراداً هو نفسه الذي جلس علي مقعده نفسه أمام كاميرا التليفزيون يلوم الصحفيين والإعلاميين الذين أذاعوا خبر دعوة العشاء التي أقامها لحسن صقر وممدوح عباس وسمير زاهر في منزله، ووقتها أعطاناً ـ وهو خريج معهد التعاون ـ درساً في الإعلام وأخلاقيات الحفاظ علي خصوصية سيادته، رغم أن الإعلام لم ينشر صور المدعوين وهم يجلسون علي المائدة الشوبيرية ولم يتجسس ويكتب عن الهدايا القيمة للضيوف أو الهدايا المستقبلية.. بل كان التناول محترماً ولم يخرق الإعلام خصوصيته وإن كان قد اكتفي بوضع علامات استفهام حول اجتماع ممدوح عباس رجل الأعمال الذي خرب الزمالك وحسن صقر الذي خرب الرياضة في منزل أحمد شوبير الذي خرب بيوت كل من اختلف معهم.. فهو عشاء المخربين الثلاثة.

فإذا أضفنا إلي ذلك أن الاثنين اختلف معهم شوبير إلي حد تقطيع الهدوم والبهدلة علي شاشات التليفزيون والصحافة.. لذلك كان طبيعياً أن يستفسر الإعلام عن سر الدعوة لكن شوبير رفض ذلك واعتبرها اختراقاً لخصوصيته وجلس يندب مع ضيوفه إهدار القيم الإعلامية والأخلاقيات!!

فإذا كان شوبير فعل في الإعلام كل هذا لمجرد إعلان حفل عشاء.. فماذا يقول عن نفسه وهو يذيع شريطاً لحفل خاص.

الثاني: إذا صح هذا الشريط وإذا تأكدت الشرطة من أن الأشخاص الذين ظهروا فيه ينتمون للألتراس.. فهل هذا يعني أن جميع هؤلاء الشباب الذين يعدون بالآلاف كلهم يدخنون الحشيش ويشربون الخمر؟!.. إن التعميم هنا فيه تجن علي آخرين لم يوجدوا في هذه الجلسة وفيه خرق إعلامي وأخلاقي آخر.

ثانياً.. الجريمة الأمنية:

تزامن مع إذاعة كابتن شوبير الحلقة وبينما كان الناس يتابعون الشرائط والأدلة البوليسية أن قامت في الوقت نفسه قوات من الشرطة بمداهمة منازل بعض أعضاء الألتراس وألقت القبض عليهم واحتجزتهم في أقسام الشرطة دون تهمة أو دليل أو مذكرة ضبط قضائي.. فكل جريمتهم أنهم يشجعون الأهلي بطريقة شاذة فيها إضرار بالآخرين وهي جريمة مكتملة إذا تم القبض عليهم في الاستاد، أما القبض العشوائي وبناء علي بلاغ إعلامي فهذه قضية خطيرة.

وإذا كنت أستطيع أن أجزم أن شوبير تعاون مع مباحث العاصمة في قضية الألتراس.. فإنني لا أستطيع أن أجزم ما إذا كان شوبير قد تم استخدامه لإذاعة الشرائط وإجراء هذه الحلقة الخاصة عن الألتراس لعمل حماية إعلامية للحملة البوليسية علي هؤلاء الشباب، أم أنه هو الذي تطوع وأرسل الـ C.D إلي المباحث كي تعاونه علي الانتقام من الألتراس بسبب هجومهم عليه وهتافاتهم ضده في المدرجات ورفضهم التعاون معه عندما طلب منهم العون في مواجهة ممدوح عباس وجماهير الزمالك وقت أن كان مختلفاً معهم، هكذا يدعي الألتراس في تفسير لسبب هجوم شوبير عليهم.

لكن ما يهمني هنا هو وجود تعاون أمني بين الإعلامي والشرطة وهذه هي الخطورة.. فالإعلام الذي تعلمناه في الكلية ومن أساتذتنا الكبار ليس دوره تقديم البلاغات والتقارير للشرطة أو عمل حرب استباقية للتغطية علي تصرفاتها غير الشرعية.

فمن يقبل أن يفعل ذلك مع شباب متهور ومخطئ ومتطرف في حب ناديه؟!.. قادر علي أن يفعل أكثر من ذلك في أمور أخري كثيرة!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق