كيف نرسم خرائط المستقبل؟


ستلملم غزة جراحها وتنتظر جولة الإبادة القادمة، والتي سـتأتي - لا ريب - إذا لم يتوحد الصف العربي - «وأقصد الناس وليس الأنظمة» - ليفرض شروطه علي الواقع السياسي لصالح مستقبل مختلف للنظام العربي الذي شاهدناه عبر العقود الماضية ولفظ ألفاظه كنظام، بل صارت عروبته محل نظر بعد مشاركة إيران في قمة قطر «ولو كمراقب»، المستقبل المختلف الذي نحتاج أن نفكر فيه اليوم ليس مستقبلاً لغزة، بل لشعوب المنطقة التي تعاني ما أثمر عجزاً عن الفعل أدي لمشاهدتنا ما تعانيه غزة دون قدرة علي إنقاذها، والفرجة علي مجموع الرؤساء في انقساماتهم و«شبه» مصالحاتهم وهم يأكلون وجباتهم: لحم شعوبهم.


هاتَفَني أخ كريم حثني علي الكتابة في قضايا أساسية هي كما حددها بحماسة وصدق، أولاً: إعادة التأكيد علي ربط الصهيونية بالعنصرية والسير علي المسار القانوني العالمي لإعادة هذه الصلة في الوثائق الدولية بعد أن تم محوها بضغط الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفي أوروبا عبر عمل منظم لعقود. ثانياً: الاستمرار في الجهد الإعلامي والتربوي والسياسي المنظم لفضح الطبيعة العنصرية غير الديمقراطية لقوانين الهجرة في إسرائيل التي تتيح لكل يهودي في العالم أن يستقر بإسرائيل ويستوطنها «مقابل أن يرحل فلسطيني أو يقتل أو تغتصب أرضه»، ولا تتيح حق العودة للفلسطيني في الشتات لوطنه وأرضه، وتعامل الـ20% من عرب 1948 باعتبارهم غرباء مقيمين علي أرضها، يمكن التخلص منهم في أي وقت بأي حيلة مادامت أمريكا قد تعهدت بضمان «يهودية الدولة».. أي صهيونية الكيان الاستيطاني الإمبريالي الذي يمارس نظام فصل عنصري ويمارس جرائم حرب واضحة لا يحاسبه عليها أحد، بل يذهب رؤساء الدول الأوروبية من شرم الشيخ لإسرائيل ليؤكدوا ضمان أمر إسرائيل ولا يتحدثون عن جرائم الإبادة في غزة، وكأن رحلتهم لشرم الشيخ كانت رحلة استجمام، وهي الرحلة التي وصفتها الجرائد المصرية بأنها جاءت نتيجة العلاقات الشخصية الحميمة التي تربط الرئيس حسني مبارك برؤساء الدول الأوروبية!!!

ثالثاً: التفكير في كيفية بناء الدولة الفلسطينية، فالمقاومة لا تعني الانصراف عن التفكير في بناء الدولة، أي ما وراء المقاومة؛ لأن غياب هذا التفكير والاستغراق في لحظة المقاومة حرم الفصائل المقاومة من تقديم تصور واضح لكيفية إدارة تلك الدولة وتحقيق التحالف بين فصائل العمل النضالي حول مشروع لعقد سياسي، وهو ما أودي بالوحدة الفلسطينية للفصائل عندما غيرت الانتخابات الديمقراطية توازنات الحكم والسلطة..ولعل الخبرة الأيرلندية تستحق النظر والدراسة في هذا الصدد، ولعلني أضع علي التوازي مع ذلك دراسة تجارب الخبرات الاستيطانية وكيف انتهت وكيف تحولت النظم وتم إعادة بناء الدولة علي منطق جديد، فبناء الدولة وسقوط الكيان الاستيطاني وجهان لعملة واحدة.

رابعاً: التأكيد علي ملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية، والمبالغ التي وعد بها حكام النفط لإعادة إعمار غزة والتي لا أطمئن لكيفية تحويلها لواقع إذا كان كل الأطراف لا يريدون أن تقع في يد حماس، وهي الفصيل الأقوي في غزة رغم أنوف البعض. أقول لو أن معشار هذه الأموال تم إنفاقه علي ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة لكان خيراً لمستقبل القضية.

خامساً: أهمية استغلال الزخم العاطفي والحركة المدنية التي أبعثت في الواقع العربي كي تستمر تلك الجهود بشكل منظم وندرك أهمية «الجهاد المدني» في دعم الجهاد المشروع ضد قوي الاحتلال.

وقد وعدت هذا الأخ بأن أكتب تلك النقاط وأثير القضايا؛ لأننا بحاجة لرسم خريطة للعمل بدلاً من الدوران في حلقة من ردود الأفعال.

لي ملاحظتان إضافيتان مع اتفاقي مع هذه النقاط تماماً وحركتي بالفعل في تلك الملفات من الناحية الفكرية ومن الناحية المدنية، بل دعماً لتحالف عالمي يتشكل اليوم لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة.

الملاحظة الأولي أنه في خضم هذا الكلام عن المعبر وفتحه وإغلاقه ومصر وحساباتها نسي الغالبية من المحللين المصريين الذين أدمنوا الكلام علي الفضائيات وتدبيج المقالات أن نصيب مصر من حرب إبادة الـ22 يوماً لم يكن شئون وشجون معبر رفح، بل رفح كلها، بل الحدود المصرية التي ضربت، بل سقطت قذائف بالقرب من تجمعات سكنية في رفح المصرية لم تنفجر وتم التعامل معها كما ذكرت «الأهرام». متي نتحدث عن الحدود المصرية وسيناء وما هو مسكوت عنه وما نحن ممنوعون من أن نفتح فمنا بشأنه؟!

الملاحظة الثانية هي أن تلك البيانات والفتاوي التي صدرت عن مئات من العلماء بشأن الجهاد ودور الأنظمة لم نشهد لها مثيلاً في جمعها بين أسماء علماء إخوان وسلفيين وأزهريين ووهابيين، جمعهم الشيخ البعيد الذي «سره باتع» كما يقول المثل الشعبي، لكن لم يجمعهم الهم القريب وهو الفساد السياسي والظلم الاجتماعي الطبقي وجمعتهم «النفرة» من أجل غزة..

تري هل هناك أي صلة بين سقوط فلسطين وتراجع العقل المسلم في تعامله مع قضايا الحريات المدنية والسياسية والعدالة الاجتماعية بالمعني الواسع من قضايا المرأة والأسرة إلي الوحدة الوطنية إلي التجانس الثقافي.

ختاماً.. هل لاحظتم أن الجميع صاروا اليوم يتحدثون عن غزة والضفة وكأن هذه هي «القضية»، فماذا عن القدس.. وفلسطين؟!

ف ل س ط ي ن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق