ملاحظات علي خطاب سماحة السيد


لا يمكن التعامل مع خطاب السيد حسن نصر الله أمس الأول باعتباره خطابًا عاديًا، رغم أنه في الغالب لا خطابات عادية لسماحة السيد، فالرجل مطارد من إسرائيل ومطلوب للقتل والتصفية، فكل ظهور له بطولة وكل خطاب له حدث مقاوم ومتحدٍ لإسرائيل يذكرها بهزيمتها وفشلها في اغتياله والتخلص منه أو تدمير أكبر حزب مقاومة في الواقع العربي والإسلامي.

إذن الخطاب مهم في أي وقت، فما بالك بخطاب يظهر مع شوي مئات جثث الشهداء في غزة بنيران الصهاينة؟!

من هنا فأي فزع أو جزع أو توتر أو ارتباك أو عصبية أو تعصب يبدو علي ردود أفعال المسئولين المصريين مما قاله السيد حسن نصر الله، هو أمر مفهوم جدا ومنطقي للغاية خصوصا أن الخطاب جاء صادمًا، بل ربما أقلق كثيرين من محبي الرجل ومريدي المقاومة فقد تخلي عن خطاب التهدئة مع الحكومات العربية وتوقف عن المداواة للجروح المفتوحة بينه وبين الأنظمة العربية الموصوفة أمريكيًا بالاعتدال، فأتكأ ونكأ ولم يطيّب ويرطب!

من هنا تبدو ملاحظات ضرورية.

السيد حسن نصرالله لا يحمل أهميته ولا يحوز مكانته العربية ولا جماهيرته الفائقة من كونه زعيمًا لبنانيًا أو رمزًا لفريق في طائفة لبنانية، بل هو يستمد شرعية شعبيته ومكانته ومحبة الملايين له من كونه زعيمًا عربيًا إسلاميًا يتجاوز حدود الجغرافيا، ومن ثم هو يخاطب العالم العربي وجماهير المسلمين من هذه النافذة الواسعة التي يطل منها علي قلوب الناس ومن المصداقية الرائعة التي حصل عليها وحصدها من انتصاره المشرق علي إسرائيل مرتين (2000 و2006) هذا الانتصار الذي يعترف به الجميع في تل أبيب في حين تنكره فقط حكومة أحمد أبوالغيط.. والغيط التابع له!

حق حسن نصرالله في مخاطبة الشعب المصري، والحكومة المصرية حق نابع ومستمد من مكانته ورمزيته في العالم العربي (بل في العالم كله) ولا يمكن النظر له هنا علي أنه تدخل في شئون داخلية يتجاوز المفترض والمفروض!!

ثم بفرض التعامل مع حسن نصرالله باعتباره زعيمًا لبنانيًا فقط (وهذا غير صحيح بالمرة!) فهو في هذا كما قيادات مصرية لا تتوقف عن مخاطبة الشعب اللبناني وإلقاء النصائح عليه طول الوقت، وكما لا نتهم أحدًا من مسئولي مصر ورموزها حين يخاطب الشعب اللبناني بالتدخل في شئون لبنان فلا مبرر كذلك لوصف كلام نصرالله بالتدخل!

شهادة حسن نصر الله عن التورط المصري الرسمي في ضرب حزب الله ولبنان في يوليو 2006 كانت ظاهرة تماما في خطابه حين يقول (والإسرائيليون كانوا واضحين ولا يجرؤ أحد من العرب أن ينفي، لأنه يمكن أن يكون لدي الصهاينة وثائق، أنه كان يُتصل بالإسرائيليين ويقال لهم «خلصونا» من حزب الله، وعندما بدأت الحرب كانوا «يواسونهم» بعد الفشل في الأيام الأولي ويطلبون منهم أن يستمروا في ضرب حزب الله وفي قطع رأس حزب الله، وهذا هو الذي يجري اليوم في غزة، هؤلاء يطالبون إسرائيل بأن تقضي علي حماس وعلي الجهاد وعلي بقية فصائل المقاومة وأن تقطع رؤوس هؤلاء المجاهدين وهؤلاء المقاومين وأن تنهي وتحسم هذه المعركة، يطالبون ويساعدون علي هذا الأمر وهذه هي الحقيقة. بل سمعنا اليوم من بعض المسئولين الإسرائيليين يقول إن حجم الدعم العربي المقدم في الحرب علي غزة يفوق حجم الدعم العربي الذي حصلت إسرائيل عليه في حربها علي لبنان في تموز 2006، وهذا مؤسف جداً).

ورغم ما يوحي به هذا الكلام وما يكشف عنه ويعري فإن الرجل لم يطالب مصر بأي مغامرة ولا مقامرة ولا طلب منها شيئًا ليس في الوسع أو في الاتساع، بل قال بالحرف الواحد (اليوم، الموقف المصري هو حجر الزاوية لما يجري في غزة ولا أحد يطلب من مصر لا أن تفتح جبهة ولا أن تذهب إلي القتال، فقط أن تفتح المعبر ليصل الغذاء والدواء والماء وحتي السلاح لأهلنا في غزة)، هل السيد نصرالله بهذا المطلب الذي يطلبه ويطالب به الشعب المصري منذ زمن قد تدخل أو تداخل فيما لا تملكه مصر الرسمية ولا تقدر عليه؟! انظر أو اسمع للرجل وهو يقول (لا في حرب تموز- يوليو 2006 ولا اليوم في قطاع غزة، لم يطلب أحد من الأنظمة العربية أن تفتح جبهاتها أو أن تقاتل لا بالنيابة عن اللبنانيين سابقاً ولا بالنيابة عن الفلسطينيين حالياً، ولكن الحد الأدني كان أن يُطلب موقف سياسي وموقف إعلامي مناسب ومنصف).

لقد كان السيد حسن نصرالله شديد التواضع فيما أراده من النظام المصري بينما كان حسن الظن بالشعب المصري جدا حين تصور قدرة هذا الشعب علي النهوض والحركة وفتح معبر رفح بصدره، فالحقيقة أن الشعب المصري منهك ومنهوك ومحاصر بمئات الألوف من عساكر الأمن المركزي وقوات مكافحة الشغب وآلاف الضباط الذين جعلوا مهمتهم الأساسية بث الذعر والرعب في قلوب المصريين من أن يكونوا رجالاً! ومن ثم فإن نداء السيد حسن نصر الله لن يستجيب له أحد فالشعب الذي لا يقدر علي مواجهة الاستبداد لا يقدر علي مواجهة أعدائه أو علي نصرة أشقائه والذي يرضي بالذل علي نفسه وأهله من الطبيعي جدا أن يرضاه علي أهل غزة، ولعل عشرات الآلاف الذين يخرجون كل نهار في الجامعات والشوارع المصرية تنديدا بمجزرة غزة وبدور الحكومة المصرية فيها تعبير عن بريق ذهب أصيل يظهر في لحظات ليؤكد أن الذهب موجود وإن كان مدفونا!

أما الزعم أن الدعوة لفتح معبر رفح عبر الضغط الشعبي فوضي فهذا كلام فارغ لا ينافسه فـي التفاهة سوي هذا الحماس في ترديده.

أما خطاب حسن نصر الله للجيش المصري فلم يتمتع بالحساسية التي نمتلكها في مصر تجاه هذه المؤسسة العظيمة؛ لأن في لبنان - كما في إسرائيل - الواقع مفتوح والكلام بلا حرج سياسي ولا حظر لمناقشة هذه الأمور والحوار مع الجيش وحوله مسألة مفتوحة علي عكس انغلاقها المصري، لكن كانت كل كلمات السيد الموجهة لهذه المؤسسة المصرية مليئة بالاحترام والتوقير والتعظيم للدور العسكري البطولي الذي قهر العدو الإسرائيلي في انتصار العرب الأعظم في أكتوبر 1973.

نعم يمكن اعتبار خطاب نصرالله ليس فيه من الدبلوماسية ولا روح المواءمات التي كان شهيرا بها في الكلام عن النظام المصري، ربما لأن الكيل طفح ثم لا يجب التساقط الساذج بالدمج بين الحكومة والشعب والتعامل مع النقد السياسي الموجه لحكومة مصر وكأنه طعن وضرب وسب في مصر الوطن، وهو مفهوم يريد المنافقون والمستبدون أن يزرعوه في البلاد العربية كلها، حين يتعاملون باعتبار الحكومة هي الوطن والوطن هو الحكومة وهو ما لا تجده أبدا في أي بلد ديمقراطي محترم، بل تنفرد به دولنا المتخلفة فقط! لكن الدرس المؤكد في كل ما يحدث أن الحكم الذي يملك وزير خارجية مثل أحمد أبو الغيط، ليس له أي حق في الكلام عن التعبيرات الدَّمِثَة والموزونة ، فالرجل أكثر فظاظة وخشونة من أن يكون طبيعيًا وهو نموذج للفشل المخلص والغشم النشيط!

http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=11195&Itemid=64

0 التعليقات:

إرسال تعليق