كوفية فلسطين‮ ‬


يوسف القعيد
لم أصدق نفسي عندما شاهدت المشهد‮.. ‬أغمضت عينيٌ‮ ‬وفركتهما وفتحتهما‮.. ‬كان الباعة عند تقاطعات شوارع مدينة نصر‮.. ‬يبيعون كوفية فلسطين لقائدي السيارات عند توقفهم في الإشارات‮.. ‬من قبل كان ما‮ ‬يبيعونه‮ ‬يتغير حسب الظروف‮.. ‬إن كان ثمة مباراة لكرة القدم‮.. ‬يبيعون أعلام الفريقين‮.. ‬وإن كان الفريق القومي هو الذي‮ ‬يلعب‮.. ‬فإن أعلام مصر هي التي تباع‮.. ‬آخر ما رأيته في أياديهم عند توقفي في الإشارات‮.. ‬كانت عن أعياد الميلاد‮.. ‬من شموع وتماثيل صغيرة للعذراء مريم وبابا نويل‮.. ‬في الأيام التي تخلو من أي حدث‮.. ‬يبيعون المناديل الورقية‮.. ‬وقبل أن‮ ‬يدهمنا زمن الورق‮.. ‬كانوا‮ ‬يبيعون الورد البلدي‮.. ‬بروائحه الفواحة‮.. ‬وكانت سعادتهم تصل للذروة‮.. ‬عندما‮ ‬يجدون راكبا‮ ‬شابا‮.. ‬يقود سيارة وبجواره راكبة شابة‮.. ‬لأن لحظة بيع الفل والياسمين تصبح الكلمة الأولي في مستقبلهما السعيد‮ معا‮.‬
بعد أن بدأت مجزرة‮ ‬غزة‮.. ‬فوجئت بكل الباعة‮.. ‬يبيعون كوفية فلسطين السوداء‮.. ‬ركنت سيارتي ونزلت‮.. ‬طمأنت من تكلمت معه إلي أنني سأشتري كوفية‮.. ‬عرض عليٌ‮ ‬شراء كل ما معه‮.. ‬قلت له كوفية واحدة تكفي‮.. ‬سألته عن الفكرة‮.. ‬لماذا هذه الكوفية؟ مع أنني تصورت في أن الأمر ربما‮ ‬يعود للتجارة‮.. ‬ذهب خيالي لقوانين السوق‮.. ‬التي تحاصرنا في كل مكان نذهب إليه‮.. ‬ولكن الولد الذي تكلمت معه‮.. ‬كان‮ ‬يعرف ما جري في‮ ‬غزة‮.. ‬سألته عن مصادره في المعرفة‮.. ‬قد لا‮ ‬يملك راديو أو تليفزيون‮.. ‬ولا‮ ‬يعرف القراءة والكتابة‮. ‬ولا‮ ‬يشتري الصحف‮.. ‬قال لي كلام الناس‮.. ‬دهشت لأن الناس العاديين‮.. ‬طحنتهم ظروف الحياة‮.. ‬ولم تترك لهم قسوتها فرصة لالتقاط الأنفاس‮.. ‬أشار ببساطة للكناسين وعساكر الأمن المركزي والمتسولين‮.. ‬وطلب مني سؤالهم لأصدق أنهم‮ ‬يعرفون‮.. ‬كان مشغولا‮ ‬بالبيع‮.. ‬لذلك بلعت سؤالي عن الأزمات السابقة‮.. ‬ماذا كانوا‮ ‬يبيعون فيها؟‮ ‬
سألتهم عن الكوفيات لماذا هي سوداء؟ ولم تكن حمراء؟ ككوفية‮ ‬ياسر عرفات‮.. ‬قال لي الكذب علي الناس خيبة‮.. ‬وعلي الله معصية‮.. ‬الكوفيات السوداء جاءت لهم من المتعهد‮. ‬قلت ربما كان المقصود من السواد هو الحزن‮.. ‬ثم إن الدماء الحمراء تؤدي للحزن الأسود‮.‬

0 التعليقات:

إرسال تعليق