'وحدة الفلسطينيين لأجل تحقيق السلام'



مقال خاص بـ'القدس العربي': 'وحدة الفلسطينيين لأجل تحقيق السلام'
بقلم ديفيد ميليباند
منذ اندلاع القتال في غزة طالبت المملكة المتحدة بوقف إطلاق النار فورا وبذلت أقصى جهودها لتحقيق ذلك. وبالتالي فإننا نشارك العالم بالشعور بالارتياح عندما أوقفت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة يوم السبت، وعندما أوقفت حماس إطلاق صواريخها يوم الأحد. لكن شعورنا هذا بالارتياح يضاهيه شعورنا بالألم الشديد لأن وقف إطلاق النار استغرق وقتا طويلا للتوصل إليه. وقد تسبب هذا التأخير بخسائر إنسانية فادحة للكثيرين.
إن وقف إطلاق النار، كما أوضح قرار مجلس الأمن رقم 1860، كان يعتبر دائما الخطوة الأولى الضرورية. وإننا نناشد إسرائيل إتمام انسحاب قواتها من غزة بأقصى سرعة. كما يتعين على حماس وضع نهاية مؤكدة لإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وقد ذهب رئيس الوزراء إلى شرم الشيخ يوم الأحد للانضمام لقادة آخرين من دول العالم للمطالبة بأن يحترم الطرفان وقف إطلاق النار، ولعرض المساعدة العملية لأجل أن يدوم.
خلال اثنين وعشرين يوما من العمليات العسكرية فقد ما يربو على 1200 فلسطيني حياتهم، بينما بلغ عدد الجرحى أكبر من ذلك بكثير. ومازلنا لم نكتشف بعد الحجم الكامل للدمار، إلا أنه يمكننا مشاهدة ذلك من واقع التقارير والصور الرهيبة التي ملأت نشرات أخبارنا. وإننا على يقين بأن حياة أهالي غزة، وهي كانت حتى الآن حياة كئيبة ومليئة بالمعاناة، قد أصبحت بائسة جدا. وأنظمة تشغيل الطاقة وشبكات الصرف الصحي وأنظمة توزيع الغذاء باتت منقطعة أو أنها مجهدة تماما. وفي تلك الأثناء فإن الصواريخ المنطلقة من غزة وصلت إلى أبعد مدى لها على الإطلاق داخل إسرائيل. وقد تردد صدى تأثير أزمة غزة في أنحاء العالم، حيث جرت مظاهرات كبيرة مؤيدة لأهالي غزة في الشرق الأوسط وكذلك في دول غربية كثيرة.
يواجهنا الآن تحديان فوريان: البدء الفوري بإدخال المساعدات الأساسية إلى غزة ومنع تدفق الأسلحة. والأولوية الملحّة هي تلبية الاحتياجات الإنسانية الماسّة. يجب السماح للإمدادات بدخول غزة: هذا لا يعني بكل بساطة مجرد الغذاء والأدوية، بل كذلك معدات الوقاية الصحية والمواد اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة بالكامل في غزة وإعادة تشغيل شبكات الكهرباء والمياه. وقد تعهدت الحكومة بتقديم 20 مليون جنيه إسترليني إضافي إلى جانب 6.8 مليون جنيه إسترليني كانت قد تعهدت بتقديمها في بداية الصراع. بينما استطاعت الجمعيات الخيرية البريطانية جمع ملايين إضافية من خلال التبرعات.
وقد أوضح رئيس الوزراء أثناء زيارته لمصر وإسرائيل بأن إعادة فتح المعابر يعتبر حيويا. وإننا على استعداد لتقديم المساعدة، بما في ذلك من خلال إعادة بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة على الحدود عند معبر رفح، وتوسيع هذه البعثة إن لزم الأمر.
لكن اللاعبين الأساسيين لأجل ضمان إحراز تقدم، ناهيك عن تحقيق السلام، هم الفلسطينيون أنفسهم. فإعادة الإعمار على الصعيد الإنساني ستكون مستحيلة ما لم يصاحبها إعادة البناء السياسي. والوحدة في السياسة الفلسطينية تعتبر حيوية لتحقيق الكثير من الأمور: إعادة إعمار غزة، وإجراء الانتخابات، وتحقيق السلام.
لقد جادلتُ في عدة مناسبات بأن أزمة غزة كانت من مظاهر الفشل السياسي. ولكي نتجنب تكرارها فإننا بحاجة إلى عملية سياسية: عملية قوية. وقد أوضحت جامعة الدول العربية في رسالتها التي وجهتها في شهر ديسمبر (كانون الأول) للرئيس المنتخب آنذاك أوباما بأنها جادة في عرضها المميز لتحقيق السلام المتمثل بمبادرة السلام العربية: قيام دولة فلسطينية مقابل تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل. وهو حل حقيقي يضم 23 دولة.
لكن كل من لديه شك بأن السلام في الشرق الأوسط يتطلب مشاركة كاملة ومكثفة من المجتمع الدولي ما عليه سوى مشاهدة شوارع غزة اليوم. ولكي تكون المشاركة الدولية كاملة ومكثفة فإنها تتطلب مشاركة فورية من الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته. وسيكون لهذا الموضوع الأولوية في محادثاتي المبكرة مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وغيرها في إدارة الرئيس أوباما.
التحدي هو ضمان منع أزمة غزة أن تصبح بمثابة أحد المعالم الكئيبة في صراع لا نهاية له. وبينما نساعد أهالي غزة في لملمة جراحهم وإعادة تأسيس حياتهم، علينا إيجاد السبيل لضمان ألا يتعرض أهالي غزة للمعاناة مرة أخرى. هذا يعني البرهنة على إحراز تقدم جدي تجاه قيام دولة فلسطينية قوية وفاعلة وقادرة على البقاء إلى جانب حدوث تحسن بأمن إسرائيل.
سوف يسأل الفلسطينيون والإسرائيليون أنفسهم اليوم ما إذا كان قدَرُهم هو الصراع المستمر بينهم. والتحدي الذي نواجهه خلال عام 2009 هو كسر هذه الدائرة واتخاذ خطوات شجاعة وعازمة تجاه تحقيق السلام الشامل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق