موت الأنظمة.. وعجز الشعوب



أحمد منصور يكتب :

الحكام العرب أعلنوا مواقفهم دون خجل وهي أنهم مع الإسرائيليين والأمريكيين ضد الأمة ومصالحها

وهب الله سبحانه وتعالي نبيه سليمان عليه السلام مُلكاً لن يكون لأحد من بعده حتي يرث الله الأرض ومن عليها، فقد سخر الله له الطير والجان والريح وآتاه الملك والحكمة، فدان له الجميع بأمر ربهم، وكان وعلي رأسهم الجن يتسابقون لإرضاء سليمان عليه السلام طاعة له وخوفاً منه لأنهم يعلمون أنه ليس مجرد ملك أو حاكم ولكنه نبي من عند الله وأنهم مسخرون لطاعته بأمر من الله، وبالتالي فقد كان حق سليمان عليه السلام عليهم أن يهابوه ويعملوا بالليل والنهار ما يأمرهم به، «من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات» دون أن يجرؤ أي منهم علي أن يتثاقل أو يتباطأ أو يتمارض حتي لا يتعرض للتهديد الذي سبق وتعرض له الهدهد حينما تفقد سليمان الطير فلم يجده وقال قولته المشهورة «لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين» وكان هذا التهديد كفيلاً بأن يستقيم كل من يعمل في مملكة سليمان عليه السلام وعلي رأسهم الجن الذين هم أشد بطشاً وأكثر قوة وبأساً من الإنس، وسري علي سليمان عليه السلام ما يسري علي البشر فقد توفاه الله وهو علي كرسي عرشه متوكئ علي عصاه، لكن الجن كانت تعتقد أن سليمان حي وأنه كعادته متوكئ علي عصاه دون أن يدركوا أنه قد مات لذلك بقوا علي خوفهم منه ينفذون أوامره في العمل الشاق دون أن يجرؤ أي منهم علي التراخي فبطش سليمان أكبر من قوتهم فإذا رفع رأسه في أي لحظة وأدرك أن أيا منهم يتباطأ أو يتقاعس أو يتأخر عن تنفيذ ما أمر به فإن عذابه سيكون عذاباً أليماً.

لذلك استمروا في العذاب المهين ـ حسب الوصف القرآني ـ حتي أرسل الله حشرة صغيرة من الأرض لا ندري كم بقيت من الأيام والأسابيع وربما الأشهر والسنوات تمخر في عصا سليمان حتي نجحت بعد المدة التي قدرها الله أن تتآكل العصا ويسقط سليمان عليه السلام علي الأرض ويكتشف الجميع أنه قد توفي منذ مدة طويلة حينها صاح الجن صيحته التي سجلها القرآن لتكون عبرة علي مدار الزمان «فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين»

ولله المثل الأعلي في كل ما سبق لكننا لو حاولنا فقط أن نقف عند حد عصا سليمان عليه السلام ونقلنا المشهد إلي عصرنا الحالي لوجدنا الصورة فيها بعض التشابه مع الفارق، فمعظم الشعوب العربية أو كلها لابثة في العذاب المهين من قبل الأنظمة التي تحكمها حيث يبدو ظاهر هذه الأنظمة أنها تملك البطش والقوة والتهديد والوعيد لكل من يخالفها، لكن حقيقتها أنها غير ذلك تماماً، فهي أنظمة هشة ومتآكلة من داخلها، ولدت من رحم الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي والإسباني والأمريكي ولم تولد من رحم هذه الشعوب أو دماء هذه الأمة، لذلك فقد كانت ولادتها من رحم الاستعمار من الأصل ولادة ميتة لكن هذه الأنظمة الميتة بقيت تستمد مظاهر وجودها من اتكائها علي عصا الأنظمة الاستعمارية التي صنعتها، وإلا فما هو النظام العربي الذي جاء من خلال خيار شعبي أو انتخابات نزيهة أو ثورة شعبية أفرزت قياداته وقوانينه وأنظمته من كل تلك الأنظمة؟ علاوة علي ذلك فإن هناك خطأ كبيراً في الفهم من قبل معظم منتقدي الأنظمة العربية الذين يتحدثون علي شاشات التلفزة ووسائل الإعلام عن العجز العربي والتقاعس العربي والتواطؤ العربي، لأن هذا تسمية للأشياء بغير مسمياتها فالعجز والتقاعس يكون عن رغبة وإرادة مع وجود قوة، لكن الأنظمة الميتة أو التي تتكئ علي عصا الأستعمار الأمريكي أوالبريطاني أو الإسرائيلي أو غيره ليس لها وجود من الأساس حتي يكون لديها رغبة أو إرادة لأن وجودها في الحقيقة هو وجود من صنعها ومنحها العصا التي تتكئ عليها.

ولذلك يشعر الإنسان بالأسي حينما يجد بعض الواهمين حتي للأسف من الكبراء والعلماء والمفكرين يوجهون نداءات لحكام عرب أعلنوا مواقفهم صريحة علي شاشات التلفزة دون مواربة أو خجل وهي أنهم يقفون مع الإسرائيليين والأمريكيين ضد الأمة ومصالحها وأمنها وأبنائها لأن العصا التي يتكئون عليها هي عصا هؤلاء وليست عصا الشعوب العربية، ثم نجد من يسمون بالنخبة يظلون يوجهون نداءات لهؤلاء.

إذن نحن أمام مشهد يجب أن نراه علي حقيقته وليس علي الوهم الذي مازال يروج له البعض ويحاول الكثيرون أن يخادعوا به أنفسهم ولا يريدون تصديقه، نحن أمام شعوب عاجزة وأؤكد مقولة شعوب عاجزة لأن لديها القدرة لكن ليس لديها الرغبة في التضحية لاسترداد حريتها وإرادتها ضحت ضد الاستعمار لكنها لم تضح ضد صنيعة الاستعمار، أما الأنظمة فإنها أنظمة ميتة لأنها تستمد وجودها من اتكائها علي عصا أعداء الأمة.

وأيضا هذا المشهد الحقيقي لهذا الواقع الذي نعيشه والذي لا يراه علي حقيقته يكون إما أعمي وإما مخادعاً لنفسه وأمته، لذلك فإن النداء والصراخ والاستجداء من هؤلاء الموتي الذين يتكئون علي عصا أمريكا وإسرائيل أو غيرهما لن يجد أي صدي لأنه لا حياة لمن تنادي، ويبقي السؤال المهم هنا كم سيطول هذا الاتكاء علي تلك العصا وهذه الحياة الزائفة لتلك الأنظمة؟ وأيضا هذا العجز القائم لتلك الشعوب؟ ربما أياماً أو شهوراً أو سنوات أو عقوداً هذا في علم الله لأن الأمر متعلق بأمرين الأول هو دابة الأرض التي تمخر في تلك العصا التي تتكئ عليها هذه الأنظمة حتي تسقطها، والثاني هو تلك الشعوب التي تواطأت مع هؤلاء الحكام وسايرتهم طوال العقود الماضية حتي تكف عن تواطئها وتثوب إلي رشدها وتستعيد إرادتها وهوية أمتها.

إذن في ظل هذا العجز الشعبي والموت الرسمي فلينتظر الجميع دابة الأرض التي تمخر في عصا الاستعمار التي تتكئ عليها هذه الأنظمة حتي تنتهي من مهمتها وتسقطها، في نفس الوقت لننتظر يقظة تلك الشعوب النائمة الغافلة حتي تفيق من سباتها، ولكن متي تنتهي هذه الدابة من مهمتها وتفيق هذه الشعوب من سباتها؟ قل يعلم الله وأقداره ولن يتأتي هذا دون أن يسعي أصحاب الهمم الكبري في الأمة ليتحملوا مسئولياتهم وأن يتجهوا لبناء النفوس والعقول وأن يكفوا عن توجيه النداءات الفارغة للزعماء الأموات حينئذ يقولون متي هو؟ قل عسي أن يكون قريباً.

0 التعليقات:

إرسال تعليق