سجلات التاريخ وأحكامه


سجلات التاريخ وأحكامه
أحمد منصور

سجلات التاريخ العربي تحوي تسجيلا مكتوبا لكثير من تفصيلات النكبات التي حلت بالأمة مثل هجوم هولاكوا علي بغداد وما ارتكبه من مجازر وجرائم والمؤامرات التي حيكت والخيانات التي تمت بين التتار وبين بعض الوزراء و الأمراء من العباسيين آنذاك دون أن يكون لدينا صورة واحدة لأي منهم توثق عمليات الخيانة أو التآمر أو الجرائم التي ارتكبت ، كما أن سقوط الأندلس وما سبقها من خيانات في صفوف المسلمين وما حل بها بعد ذلك من جرائم ومحاكم تفتيش ليس له سوي روايات مكتوبة فى بطون كتب التاريخ ، لكن كل ذلك وصلنا وسوف يصل إلي الأجيال من بعدنا مكتوبا تاركا للخيال العنان لكي يتخيل ما حدث دون أن يقف علي حقيقته والصورة الطبيعية لما وقع ..

لكن سجلات التاريخ الذي يصنعه العرب اليوم سجلات تدون بالصوت والصورة بل وتتابع علي الهواء مباشرة لكل من أراد دون رتوش للصورة أو شرح أو تفصيل لمحتوياتها ، وسجلات التاريخ الذي صور وسطر خلال الأيام القليلة الماضية ، وتحديدا بين يومي 25 و27 ديسمبر من العام 2008 حوت مشاهد عديدة لكن الذي سيخلده التاريخ هو مشهد اللقاء الحميمي بين الرئيس المصري حسني مبارك ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ، كذلك صور المصافحة الحميمية التى شاهدها الناس علي الهواء مباشرة لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط حيث شد علي يديها بل شبك قبضة يده مع قبضة يدها ورفعها إلي أعلي بشكل يدل علي الاتفاق والوفاق وليس علي الحميمية فقط . 

والمعروف أن ليفني ضابطة سابقة فى الموساد وإبنه إيفان الرهيب الذي يحفل تاريخه بالجرائم الكبري ضد الشعب الفلسطيني ، أما وزير الخارجية المصري فالمعروف عنه أنه ليس له أي رصيد ديبلوماسي أو سياسي سوي أنه كان واحدا من أصغر الموظفين الذين شاركوا فى اتفاقية كامب ديفيد ومن أردا أن يطلع علي دوره الهامشي في كامب ديفيد فعليه أن يعود لمذكرات كبير موظفي كامب ديفيد الدكتور بطرس غالي ليتعرف طبيعة دور أحمد أبو الغيط ، وبما أن كافة الموظفين الذين شاركوا فى ترتيبات كامب ديفيد قد كوفئوا بمناصب كبري مثل بطرس غالي الذي كوفيء دوليا بتعيينه أمينا عاما للأمم المتحدة كما كوفئ الباقون بمناصب وزارية وسيادية ونفعية مختلفة فى مصر خلال الثلاثين عاما الماضية ، حيث المناصب مكافآت وليس كفاءات ، فقد بقي أحمد أبو الغيط لأنه كان أصغرهم إلي النهاية ، لذا كوفئ بالمنصب الذي هو فيه الآن وهو وزارة الخارجية ليكون بذلك آخر من تم تكريمه من موظفي كامب ديفيد ، ومن تابع أداءه الكارثي منذ أن عين وزيرا للخارجية إلي الآن لا سيما فى المؤتمرات الصحفية والتصريحات المتخبطة و غير المسئولة التى يتفوه بها يستطيع أن يدرك لماذا هذا الرجل فى هذا المنصب ولماذا لا يقال ولا يحاسب لكنه إذا علم أنه من بقايا كامب ديفيد فإن فهم أسباب وجوده فى هذا المنصب تصبح كافية . 

وقد سجل التاريخ شاء من شاء وأبي من أبي أن وزيرة الخارجية الأسرائيلية أطلقت تهديداتها ضد غزة وأحمد أبو الغيط يقف إلي جوارها يوزع الأبتسامات ولم يجرؤ أن يرد علي تهديداتها التى أطلقتها ضد أهلنا فى فلسطين من القاهرة قلب العروبة النابض وعاصمة العرب وبلد الأزهر بلد خير أجناد الأرض كما وصف أهلها الرسول صلي الله عليه وسلم ، بل إنه شد بقبضة يده علي يدها وشدت بقبضة يدها علي يدها ورفعا أيديهما عاليا لتأكيد الأتفاق ، وقد اختارت ليفني القاهرة لتعلن منها تهديداتها بعد تقارير نشرتها الصحف الإسرائيلية وسطرت أيضا فى سجلات التاريخ أن مسئولين عسكريين إسرائيليين سبقوا زيارة ليفني إلي القاهرة وأخذوا الضوء الأخضر علي ما عزموا القيام به وسواء أخذوا الضوء الأخضر أم لم يأخذوه فهذا لا يهم ولكن الذي يهم هو أن التاريخ قد سجل أيضا بالصوت والصورة أن العدو الإسرائيلي قد قام بهجومه علي غزة يوم السبت 27 ديسمبر 2008 بعد يومين فقط من اللقاء الذي شاهد فيه العالم الصور الحميمية التى نقلتها وسائل الأعلام العالمية بين تسيبي لينفني وزيرة خارجية إسرائيل و الرئيس المصري ووزير خارجيته أبو الغيط ـ رجل الكوارث فى أقواله وأفعاله ـ دون أن يكون أحد بحاجة لمعرفة ما تم من تفصيلات ونقاشات فى هذا اللقاء أو تفصيلاته وما يقال عن ضوء أخضر أو أحمر ليس مهما هنا لأن هناك نتائج علي الأرض شاهدها الجميع بعد ثمانية وأربعين ساعة من الصور الحميمية للثلاثة وبعد أربعة وعشرين ساعة من تأكيد الحكومة المصرية لحماس أن إسرائيل لن تهاجم غزة فقد ملأت شاشات التلفزة صور مئات الفلسطينين مقطعة الأشلاء مع صور الدماء وهيستريا البكاء والخوف والرعب تغطي وجوه أهلنا فى غزة ، التاريخ ليس معنيا كثيرا بتفاصيل ما قالته تسيبي ليفني لحسني مبارك ووزير خارجيته أو تفاصيل ما قاله مبارك ووزير خارجيته لليفني لأن التاريخ لم يعد مثل أيام هولاكو يسجل بالحبر والقلم ، ولكنه يسجل الآن بالصوت والصورة والصور فى الفترة من 25 إلي 27 ديسمبر 2008 ـ وما سيأتي بعد ذلك ـ قالت الكثير مما ليس فى حاجة إلي شرح أو تبرير ، كما أن تصريحات ليفني بأن إسرائيل قد أطلعت بعض حكام العرب علي ما قامت به إسرائيل قبل أن تشرع فيه يكمل المربعات الباقية من الصورة العامة ، ومن ثم فإن القمم العربية ليس لها قيمة و إذا كانت قد فعلت شيئا من قبل فإنها ينتظر أن ستفعل شيئا من بعد . 

إنها الصور تسجل التاريخ الآن فى سجلات لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يزيفها أو يمحوها أو يبررها ، صور كل شيء من اللقاءات الحميمية إلي الأبتسامات الصفراء إلي الشد علي الأيدي إلي الدماء والأشلاء بعد ذلك ، لقد كان أسلافنا يكتبون ويشرحون ويفسرون حتى نحاول تخيل الصورة لكننا الآن فى عصر السجلات المصورة ، وإذا كان التاريخ يسجل الآن فإنه لن يتأخر كثيرا فى الحكم فبعد السجلات تأتي الأحكام وعسي أن تصدر الأحكام قريبا .


0 التعليقات:

إرسال تعليق